للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطوطمية، لأن هناك أمورا عديدة لا يمكن تفسيرها على وفق هذه النظرية. ولكننا نستطيع أن نقول إنها نوع من أنواع١ الـ"Animism". وقد وجدت عند العبرانيين في عهودهم القديمة، كما كانت عند البابليين وغيرهم.

وإذا سكن الجني مع الناس، قالوا: عامر، والجمع عمار، وإن كان ممن يعرض للصبيان، فهم أرواح، فإن خبث أحدهم وتعرم، فهو شيطان. فإن زاد على ذلك، فهو مارد. فإن زاد على ذلك في القوة، فهو عفريت. فإن طهر الجني ونظف ونقي وصار خيرًا كله فهو ملك. وهم في الجملة جن وخوافي٢.

لقد لعب الإيمان بالجن عند بعض الجاهليين دورا فاق الدور الذي لعبته الآلهة في مخيلتهم، فنسبوا إليها أعمالا لم ينسبوها إلى الأرباب، وتقربوا إليها لاسترضائها أكثر من تقربهم إلى الآلهة. إنها عناصر مخيفة راعبة. تؤذي من يؤذيها ويلحق به الأذى والأمراض، ولذلك كان استرضاؤها لازما لأمن تلك الآفات. وهذه العقيدة جعلت الجن في الواقع آلهة، بل أكثر سلطة ونفوذا منها، وصيرت عمل الآلهة سهلا يسيرا تجاه الأعمال التي يقوم بها الجن. ولا زال أثر هذه العقيدة باقيا في نفوس الناس حتى الأيام، مع تقليل أهمية عمل الجن على الإنسان في الإسلام.

وليست هذه العقيدة عقيدة أهل الجاهلية حسب، بل هي عقيدة أكثر من اعتقد بأثر الأرواح في العالم وفي عمل الإنسان، إذ صيرتها آلهة مقرها الأرض، أو آلهة من الدرجة الثانية. والغريب أننا نرى بعض الشعوب تخصص أعمال الآلهة الكبيرة بناحية معينة، وتعتبرها آلهة رئيسية كبرى، بينما تجعل عمل الجن عملا واسعا يشمل كل الأرض والإنسان، أي أن عملها أوسع جدا من عمل تلك الألهة وأهم.

وفي القرآن الكريم أن قريشًا جعلت بين الله وبين الجنة نسبا: {وَجَعَلُوا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَبًا وَلَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} ٣، وإنها جعلت الجن شركاء له: {وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ} ٤. أي جعلوا لله الجن شركاء في عبادتهم


١ المصدر نفسه.
٢ الحيوان "٦/ ١٩٠ وما بعدها".
٣ الصافات، الآية "١٥٨.
٤ الأنعام، الآية ١٠٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>