للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصد بذلك "سليمان"١. ونجد أن في جملة ما نسب عمله إلى جن سليمان بعض المواضع مثل تدمر وقصر غمدان.

وقال النابغة الذبياني:

إلا سليمان إذ قال الإله له ... قم في البرية فاحددها عن الفند

وخيس الجن إني قد أذنت لهم ... يبنون تدمر بالصفاح والعمد

فمن عصاك فاقبه معاقبة ... تنهى الظلوم ولا تقعد على ضمد٢

وفي هذا الشعر إن صح أنه من نظم النابغة حقًّا، دلالة على تأثر الشاعر بالأسطورة اليهودية عن "تامار"، وعن جن سليما.

ونسبوا السيوف المأثورة إلى جن وشياطين "سليمان". ونسبوا إليه وإليهم أشياء عديدة أخرى٣.

وقد ادعى إناس من الجاهليين إنهم كانوا يرون الغيلان والجن، ويسمعون عزيف الجان، أي صوت الجن. وقد بالغ الأعراب في ذلك، وأغربوا في قصص الجان، لما كانوا يتوهمونه من ظهور الأشباح لهم في تجوالهم بالفيافي المقفرة الخالية، فتصوروه جنا وغولا وسعالى، وبالغوا في ذلك أيضًا، لما وجدوه في أهل الحضر ولا سيما في الإسلام من ميل إلى سماع قصص الجان والسعالى والغول٤. وقالوا إنهم ربما نزلوا بجمع كثير، ورأوا خياما، وقبابا، وناسا، ثم إذا بهم يفقدونهم من ساعتهم، وذلك لأنهم من الجن٥.

ونسبوا إلى الجن إحداث كثير من الأمور غير الطبيعية، مثل الأمراض والأوبئة والصرع والاستهواء والجنون خاصة. فالجنون هو تلبس الجن بالإنسان ودخولهم جسمه. لذلك ربطوا بين الجن والجنون. ويرى "نولدكه" أن فكرة أن الجنو من عمل الجن، عقيدة قديمة وجدت عند غير العرب كذلك. فقد كان الإيرانيون


١ تاج العروس "٩/ ١٦٥"، "جن".
وسخر من جن الملائك تسعة ... قياما لديه يعملون بلا أجر
اللسان "١٣/ ٩٧"، "جنن".
٢ الحيوان "٦/ ٢٢٣".
٣ الحيوان "٦/ ١٧٨".
٤ الحيوان "٦/ ١٧٢" وما بعدها، ١٨٢".
٥ الحيوان "٦/ ٢٠٠"، "هارون".

<<  <  ج: ص:  >  >>