للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حرق الجناح كأن لحيي رأسه ... جلمان، بالأخبار هش مولع١

وفي الغراب وشؤمة يقول الأعشى:

ما تعيف اليوم في الطير الروح ... من غراب البين أو تيس برح٢

وقد كنوا عنه بكنى عديدة، دلالة على مقدار اهتمامهم به. فقالوا له: أبو حاتم، وأبو جحادف، وأبو الجراح، وأبو المرقال، وأبو حذر، وأبو زيدان، وأبو زاجر، وأبو الشؤم، وأبو غياث. ووضعوا الأمثلة على لسانه وعنه. وقصوا عنه الحكايات. من ذلك، إنه أراد أن يقلد القطاة في مشيها، فحاكاها، لكنه لم يفلح في المشي مشيها، فلما أراد العود إلى مشيته الأولى، أضل مشيته، إذ نسيها، فنسي المشيتين: فلذلك سموه: أبا المرقال٣. وضربوا المثل بالغراب الأعصم، فقالوا: أعز من الغراب الأعصم، للشيء القليل الوجود٤. وأوردوا له قصصًا مع الديك ومع حيوانات أخرى. ورموه بالفسق والفجور٥.

وفي الشعر الجاهلي وشعر المخضرمين إشارات إلى شؤم الغراب. جاء في شعر "حسان بن ثابت".

وبين في صوت الغراب اغترابهم ... عشية أو في غصن بان فطربا

فصوت الغراب، يشير إلى الغربة والاغتراب، لذلك كره٦.

وهو من ألأم الطير وأخبثها، وهو من عبيد الطير، وليس من أحرارها، فهو دنئ النفس، إذا صادفته جيفة، نال منها، وهو لا يتعاطى الصيد. فهو حيوان خبث الفعل وخبيث المطعم، لذلك عد العرب أكله عارا يعبر من يقدم


١ الحيوان "٢/ ٣١٦"، "هارون".
٢ العمدة "٢/ ٢٦٠"، تاج العروس "٦/ ٢٠٧"، "عاف"، اللسان "٩/ ٢٦١"، "عيف".
٣ الحيوان، للجاحظ "٣/ ١٢٩"، حياة الحيوان، للدميري "٢/ ١٧٢".
٤ حياة الحيوان "٢/ ١٧٣".
٥ الحيوان "٣/ ١٣١"، حياة الحيوان "٢/ ٢٧٣ وما بعدها"، "٣/ ٣١٧"، "هارون"، "فسق الغراب وتأويل رؤياه.
٦ البرقوقي "ص١٩"، بلوغ الأرب "٢/ ٣٣٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>