للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعرابية، وهم الجرثومة التي نبتت منها المجتمعات العربية الحضرية في العراق وفي بلاد الشأم وفي جزيرة العرب، وهم من أهل الخيام السود المنسوجة من شعر الماعز، أو من صوف الأغنام، وقد أشير إليهم في التوراة، وقد كانوا يسكنون شرق العبرانيين وفي أرض فلسطين.

وكانوا يتنجعون أيام الكلأ فتجتمع منهم قبائل شتى في مكان واحد، فتقع بينهم ألفة، فإذا افترقوا ورجعوا إلى أوطانهم ساءهم ذلك، وقد عرف هؤلاء بـ"الخلطاء". كما كانوا يتشاركون في الرعي، وذلك أن يستأجروا راعيًا أو رعاة، ويقدم كل واحد من الشركاء ما يريد تقديمه من الإبل أو الشياه، ويحتمل كل واحد من المتشاركين أجر الرعي، حسب عدد إبله أو شياهه١.

ولا يشترط في الراعي، أن يكون أجيرًا لغيره يرعى إبل وماشية غيره، فقد يكون راعيًا، وهو مالك لإبله ولبقية الماشية التي يرعاها، وهو إنما سمي راعيًا؛ لأنه اتخذ الرعي وسيلة للحياة يعيش عليها، ويجوز أن يكون قد ورثها عن آبائه وأجداده، ويجوز أن يكون قد اختارها هو حرفة له، كما يجوز أن يكون راعيًا لمال غيره من أهل قبيلته أو من الأبعدين، وقد يكون هؤلاء من أهل الحواضر المستقرين، يسلمون ما لهم للرعاة، لترعى في البوادي، وليكثر نسلها وتصح أجسامها، فإذا أرادوا بيعها طلبوا من الرعاة إعادتها إليهم.

ويقوم الأبناء في العادة برعي إبل الأب والعائلة، ونجد في القصص إشارات إليهم، لطمع الرجال في الإبل، وازدراءهم شأن الراعي لصغر سنه، فيستاقون إبله، مما يتسبب عن ذلك تعقب السراق، ووقوع حوادث بينهم وبين أرباب الإبل.

ولا يربي الرعاة الدجاج والبط والحمام والأوز والطيور المختلفة والخنازير، إنما يربيها أهل الريف. والريف ما قارب الماء من أرض العرب وغيرها، وأرض فيها زرع وخصب، أو حيث تكون الخضر والمياه والزروع٢. وتربية الدجاج حرفة ينظر العربي إليها نظرة ازدراء واستهجان، فلا يليق برجل حر يحترم نفسه، أن يخدم طيرًا أو حيوانًا صغيرًا كالدجاجة، ولذلك كانت من حرف


١ تاج العروس "٥/ ١٣٢"، "خلط".
٢ تاج العروس "٦/ ١٢٣"، "تريف".

<<  <  ج: ص:  >  >>