للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يرد في نصوص المسند ويا للأسف شيئًا عنها، غير أننا نملك نصًّا جاء فيه أن شخصًا قدم قرابين إلى الإله "عثتر" وإلى معابده كلها؛ لأنه من على سبأ وأتباعهم، فأرسل عليهم "سقي خرف ودثا"١، أي "مطر الخريف ومطر الربيع". ومعنى ذلك أن القوم كانوا قد توسلوا إلى هذا الإله ليرسل عليهم الغيث الذي انحبس عنهم في موسميه المعروفين في اليمن، ونذروا له نذرًا إن استجاب لهم، وقد استجاب لدعوتهم فأرسله عليهم، فقدمت إليه تلك الذبائح والقرابين.

وقد تحدثت في أثناء كلامي على الحياة الدينية عن عادة أهل الجاهلية في الاستمطار، وعن هذه النار التي كانوا يولعونها والتي يسمونها "نار الاستمطار". وهي عادة قد تكون مألوفة بين أهل مكة وأهل الحجاز، وهي من العادات التي أبطلها الإسلام، إذ أحل محلها صلاة الاستسقاء٢.

وقد تهطل الأمطار أحيانًا هطولًا شديدًا مؤذيًا، فتكون سيولًا عارمة تجرف الزروع والبيوت والمواشي وتنكب الناس بعيشهم الضيق الذي هم فيه. ونجد في كتب أهل الأخبار إشارات إلى سيول عديدة حدثت في الجاهلية والإسلام، في الحجاز واليمن وفي أمكنة أخرى، فأصابت الناس بأضرار كبيرة، حيث تنحدر بشكل سريع وشديد وبقوة كبيرة من الجبال والهضاب والمرتفعات إلى الأودية والسهول فتغمرها بالمياه، وفي كتب الأخبار أن السيول قد أصابت مكة مرارًا في الجاهلية وفي الإسلام. وهي في جملة المصائب والكوارث التي تنزل بالناس، فلا عجب إذا ما رأينا المثل العربي يقول: "سال بهم السيل، وجاش بنا البحر، أي وقعوا في أمر شديد، ووقعنا نحن في أشد منه؛ لأن الذي يجيش به البحر أسوأ حالًا ممن يسيل به السيل"٣.

ولفظة "سقى" من الألفاظ الواردة في المسند، بمعنى "مطر" و"إرواء"


١ Rhodokanakis, Katab. Texte, Ii, S. ٥٣, Glaser ١٧٥٢.
٢
ألا در رجال خاب سعيهم ... يستمطرون لدى الأزمات بالعشر
أجاعل أنت بيقورا مسلعة ... ذريعة لك بين الله والمطر
تاج العروس "٣/ ٥٤"، "٥/ ٣٨٥"، بلوغ الأرب "٢/ ١٦٤، ٣٠٢".
٣ تاج العروس "٧/ ٣٨٦"، "سال".

<<  <  ج: ص:  >  >>