للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تبيعونهم للسبئيين، لأمة بعيدة؛ لأن الرب قد تكلم". مما يدل على أنهم كانوا من المشترين للرقيق، ينقلونه إلى بلادهم للاستفادة منهم في مختلف نواحي الحياة، يتخذون النساء الجميلات زوجات لهم، ويتخذون البشعات والقويات للخدمة، ويعهدون للرجال بالأعمال المختلفة التي تحتاج إلى ذكاء ومهارة وفن وإتقان، وبأعمال أخرى صناعية وزراعية، وأمثال ذلك.

وقد أشير إلى ثراء السبئيين وامتلاكهم للذهب والفضة في بعض الكتابات الآشورية، فذكر "تغلاتبليزر" الثالث مثلًا أنه أخذ الجزية من السبئيين، أخذها ذهبًا وفضة وإبلًا: جمالًا ونوقًا ولبانًا وبخورًا من جميع الأنواع، كما ذكر "سرجون" أنه أخذ الجزية من "يثع أمر" ملك سبأ، أخذها ذهبًا وخيلًا وجمالًا ومن مصنوعات الجبال١.

وقد سبق لي أن تحدثت عن هذا الموضوع في أثناء حديثي عن صلات الآشوريين مع العرب، وعندي أن هذه الجزية التي دفعت إلى الآشوريين، قد تكون جزية بالمعنى المفهوم من اللفظة، أي نتيجة قهر وإكراه وخضوع لحكم الآشوريين وهزيمة لحلقت بالسبئيين في حرب أو حروب وقعت مع الآشوريين، وقد تكون بمعنى ضريبة دفعها السبئيون إلى الآشوريين في مقابل السماح لهم بالاتجار في أسواق الحكومة الآشورية، فهي ضرائب يدفعها التجار أو تدفعها الحكومات إلى الحكومات الأخرى في مقابل السماح لها بالاتجار معها، وفتح أبواب أسواقها لرعاياها، للبيع والشراء.

وفي كتب اليونان واللاتين تأييد واتفاق تام على ما جاء في التوراة عن ثراء السبئيين، وعن امتلاكهم الذهب والفضة والأحجار الكريمة. وقد بالغت في ذلك مبالغة أخرجتها من حدود الواقع إلى الخيال. فنسبوا لهم استعمال الأثاث المصنوع من الذهب والأواني المستعملة من الذهب والفضة، وغير ذلك مما أخرج وصفهم من حدود المعقول وأدخله في عالم القصص والأساطير.

وقد بالغ "سترابو" في وصف ثراء السبئيين بسبب اتجارهم بنوع من العطور الزكية، دعاها باسم "اللاريم" Larimum وبالمواد الأخرى النفيسة، وذكر أنه كانت "لديهم كميات كبيرة من مصوغات الذهب والفضة، كالأسرة والموائد


١ Hastings, P.٨٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>