للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العربية الجاهلية بالبحرية الأجنبية، وذلك بدراسة أصول هذه الألفاظ، والمصطلحات لمعرفة المكان الذي جاءت منه والشعب الذي مون البحارة العرب بها.

ونجد في مصطلحات البحر ألفاظًا يونانية، وألفاظًا لاتينية، وألفاظًا فارسية، وألفاظًا حبشية، ودخول هذه الألفاظ اللهجات العربية دليل على تأثر البحرية العربية ببحرية تلك الأمم واتصالها بها وأخذها منها. وقد أشار علماء اللغة إلى أصول بعض هذه الألفاظ، فذكروا أنها أعجمية. ولما كان علمهم باللغات الأعجمية غير الفارسية محدودًا، لم يتمكنوا من تشخيص أصول بعض المصطلحات المعربة عن اليونانية أو اللاتينية أو الحبشية أو الهندية، فرجعوها إلى أصل فارسي في الغالب، وهي ليست من الفارسية في شيء.

ولم يرد في الكتابات الجاهلية ما يفيد بدخول أهل العربية الغربية البحار، والأخبار الإسلامية لا تشير إلى ذلك أيضًا، بل الذي يفهم منها أن أهل الحجاز لم يكن لهم نصيب في البحر، وأنهم كانوا يركبون البحر في سفن حبشية توصلهم إلى السواحل الإفريفية للاتجار هناك. ولما خرج المسلمون الأولون مهاجرين إلى الحبشة، انتهوا إلى "الشعيبة"، فوجدوا سفينتين للتجار حملوهم فيهما إلى أرض الحبشة بنصف دينار١. و"الشعيبة"، مرسى السفن من ساحل بحر الحجاز، وكان مرسى مكة قبل جدة٢.

ونجد في خبر عودة المهاجرين من الحبشة، أنهم حملوا في سفينتين، حملهم عليهما النجاشي. أي أن السفينتين كانتا من سفن الحبش٣. ولم يرد في الخبر، اسم الموضع الذي أبحروا فيه منه إلى الحجاز، ولا اسم المرسى الذي رست السفينتان فيه، واتجه المسلمون منه إلى يثرب.

ويظهر أن تلك السفن كانت صغيرة مكشوفة الجوانب ولم تكن تتسع لعدد كبير من المسافرين، حتى أن حركات المسافرين كانت تؤثر فيها. روي أن "جعفر بن أبي طالب"، سأل رسول الله كيف نصلي في السفينة إذا ركبنا في البحر، لقال: صل قائمًا إلا أن تخاف الغرق، أو يصلي قائمًا إلا أن يضر بأهلها. وصلى أنس في السفينة جالسًا٤.


١ الطبري "٢/ ٣٢٩".
٢ تاج العروس "١/ ٣٢١"، "شعب".
٣ الروض الأنف "٢/ ٢٥٠ وما بعدها".
٤ الروض الأنف "١/ ٢١٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>