للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فزادت ونمت. شغلوها في التجارة، وشغلوها في أعمال نستطيع أن نسميها أعمالًا مصرفية بلغة هذا اليوم، مثل إعطائها للمحتاج إليها بفائض هو "الربا"، أو "مضاربة"، أو مسالفة، وشغلوها باستثمارها بمشاريع زراعية وصناعية وما شابه ذلك، مشاركة أو على ربح ثابت معين، أو مساهمة في الأرباح دون الخسائر. وكان بعض منهم قد ساهم في أعمال عديدة، واستثمر أمواله بها، فإذا خسر في عمل، عوض عن خسارته تلك بربح يأتيه من عمل آخر.

ولم يكتفِ تاجر مكة بالاتجار على حسابه، بل ساهم مع غيره من أهل مكة في تكوين رءوس أموال القوافل، بحيث صارت القوافل تجارة شركاء، أو شركة عامة يساهم فيها من يشاء من أصحاب المال. وساهم تاجرهم أيضًا بتوزيع أمواله على التجار الآخرين؛ ليشاركهم بذلك في أرباحهم، فكان "أبو سفيان" يتاجر بتجارته وعلى حسابه، يذهب بنفسه على رأس قافلته إلى العراق للاتجار بالحيرة، وكان من المساهمين في قوافل قريش كذلك، كما كان يقدم ماله للتجار؛ للاتجار به مع أموالهم، فيشاركهم بذلك في أرباحهم، ويأخذ منهم ما يقع له من نصيب في الأرباح. وكان "العباس" قد وزع مالًا من ماله على التجار لاستثماره، وكان للحجاج بن علاط السُّلمي مال متفرق في تجار أهل مكة١.

وكانوا يتعاملون مع غير تجار قريش كذلك، يقرضونهم المال ويستقرضون الأموال منهم، ويتاجرون على الأرباح والخسائر، ونجد في الأخبار أسماء رجال من الطائف أو من الحيرة أو من أهل اليمن، كانت لهم شراكة مع تجار من تجار مكة, خلطوا أموالهم مع أموال أولئك الغرباء عنهم, فهم "خلطاء"، أي: شركاء, و"الخليط": الشريك٢. فأهل مكة خلطاء فيما بينهم، وخلطاء مع غيرهم أيضا, يتاجرون بأموالهم ويتاجرون بأموال غيرهم كذلك, "وصاروا بأجمعهم تجارًا خلطاء"٣.


١ الطبري "٣/ ١٧".
٢ تاج العروس "٥/ ١٣٢"، "خلط".
٣ الثعالبي، ثمار القلوب "١١ وما بعدها"، البلدان "٤٧٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>