للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يجهِّز التجار بماله وأموال قريش إلى الشام وغيرها من أرض العجم، وكان يخرج أحيانا بنفسه١. وقد عهدت إليه قريش بقيادة قوافلها إلى الشام، وبسبب قيادته قافلتها إلى الشام وقعت معركة بدر. ويظهر أنه كان يدفع أمواله إلى كبار تجار قريش ممن كانوا يتاجرون مع الشام والعراق؛ للاتجار بها، فإذا عادوا يصيب من أرباحها.

ويتبين من خبر وقوع ابنه "عمرو" أسيرًا يوم بدر، ومن امتناعه من تخليصه من أسره بتقديم فدية عنه، ومن قوله لمن ألحَّ عليه بإفدائه: "أيجمع عليَّ دمي ومالي! قتلوا حنظلة وأفدي عمرًا، دعوه في أيديهم يمسكوه ما بدا لهم"، أنه كان شحيحًا حمله شحه على تفضيل المال على ابنه, حتى حمله شحه هذا على مخالفة دين قريش، وعرفهم في عهدها ألا تعترض لأحد حاجا أو معتمرا إلا بخير. فلما جاء "سعد بن النعمان بن أكال"، وكان شيخًا مسلمًا كبيرًا, إلى مكة معتمرًا، عدا عليه "أبو سفيان", فحبسه بمكة بابنه "عمرو"، مما حمل الرسول على فك أسر ابنه بـ"سعد بن النعمان بن أكال"٢.

وكان يتاجر بالفضة وبالأدم، والأدم من تجارة قريش المهمة. ويظهر أنه كان يشتري الأدم من الطائف ومن اليمن، ثم ينقله إلى بلاد الشام, وقد أشير إلى أدم قريش، وهو أديم عرف في الأسواق بجودته وبنفاسته.

وكان "العباس بن عبد المطلب" من أثرياء قريش, كانت له ثروة واسعة من نقود ومن ذهب وفضة, وقد استغل ماله في التجارة وفي إقراضه بالربا. قيل عنه: إنه "كان ذا مال كثير متفرّق في قومه"٣, كان يقرضهم ويسلفهم ويشاركهم في تجارتهم. ولما انتهى إلى المدينة قال الرسول له: "يا عباس, افدِ نفسك, وابني أخيك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث، وحليفك عروة ابن عمرو بن جحدم, أخا بني الحارث بن فهر؛ فإنك ذو مال ". فقال: يا رسول الله؛ إني كنت مسلمًا، ولكن القوم استكرهوني، فقال: "الله أعلم بإسلامك، إن يكن ما تذكر حقًّا فالله يجزيك به, فأما ظاهر أمرك فقد كان


١ الاستيعاب "٤/ ٨٦"، "حاشية على الإصابة"، الإصابة "٢/ ١٧٢"، "رقم ٤٠٤٦".
٢ الطبري "٢/ ٤٦٦ وما بعدها".
٣ الطبري "٢/ ٤٦١".

<<  <  ج: ص:  >  >>