للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأخذ ما فيها, لا فرق في ذلك بين إنسان قديم، كان للدين عليه وعلى مجتمعه نفوذ وسلطان، وبين مجتمع حديث تهذب فيه الإنسان وارتفعت فيه مداركه ومزاياه, فها نحن أمام جماعة سرقت معبد "محرم" إلهها "ذو سموي" رب السماء، ولم تكتفِ بسرقة ذلك المعبد، بل سرقت البقر في الأرض المحبوسة على ذلك الإله. ولهذا أمر رجال ذلك المعبد الناطقين باسم ذلك الإله بكتابة ذلك النص ليقرأه الناس وليروا ما فيه من لعنات ستنزل على من يتجاسر على مخالفة أوامر ذلك الإله، فيسرق معبده ويسرق بقره.

ويلاحظ أن التشريع قد اعتبر القبيلة والجماعة وحدة اجتماعية مسئولة أمام الإله عن كل ما اقترفه أفرادها من سرقات وآثام. فإذا سرق أحدهم من معبده أو ألحق أضرارًا بأملاكه، صارت القبيلة مسئولة قانونًا وكلها أمامه، وعليها إنزال عقابها بالفاعل، بالإضافة إلى العقاب الذي يفرضه المعبد عليه. وبإيقاع المسئولية على القبيلة كلها، يكون المعبد قد أمن بذلك من غدر الأفراد المجهولين، ومن تطاول السراق المتسترين على أموال المعابد والآلهة، ومتى وجدت القبيلة أنها مسئولة عن ذلك بالتضامن، فإنها تكن حذرة وعينًا على السراق والمفسدين، لا سيما إذا ما علمت أن الآلهة تغضب عليها فتصيبها بالكوارث، فتقل بذلك حوادث السرقات بالنسبة إلى أموال المعابد والأوقاف.

ويجب أن نتذكر هنا القصة التي يرويها أهل الأخبار عن سرقة "كنز الكعبة" وذلك قبل بنيانها بقليل، ووضع السراق ما سرقوه عند "دويك" مولى لبني "مليح بن عمرو" من خزاعة، وقطع أهل مكة يده لذلك. وما ذكروه أيضًا من أن سارقًا سرق من مالها زمن جرهم، فانتزع المال منه١.

كذلك يجب أن نتذكر أن سارقًا سرق من بيت "عائشة" شيئًا، فدعت عليه، فقال لها النبي: "لا تسبخي عنه بدعائك عليه"، أي: لا تخففي عنه إثمه الذي استحقه بالسرقة بدعائك عليه٢. سرق بيت رسول الله مع أنه مسلم مؤمن بالله وبرسوله، لم يردعه عن السرقة دينه، وقد تكون الحاجة قد دفعته إلى تلك السرقة.

ووصلت إلينا نصوص أخرى يفهم منها أن أشخاصًا استدانوا من أموال المعبد فلم يؤدوها له، وأن قومًا أكلوا حقوق الآلهة المفروضة عليهم من أعشار ونذور،


١ ابن هشام "١/ ١٣٠"، "حاشية على الروض"، الروض الأنف "١/ ١٣٠".
٢ تاج العروس "٢/ ٢٦٠"، "سبخ".

<<  <  ج: ص:  >  >>