للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقبلها منه إلا نجومًا، فأتى "عمر" فذكر ذلك له، فقال: أراد أنس الميراث، وكتب إلى أنس: أن اقبلها من الرجل، فقبلها. وورد في صحيفة المكاتبة: هذا ما كاتب أنس غلامه سيرين؛ كاتبه على كذا وكذا ألفًا، وعلى غلامين يعملان مثل عمله١. وكاتب "عبد الله بن عمر" غلامًا له يقال له: شرف, على خمسة وثلاثين ألف درهم، فوضع من آخر كتابته خمسة آلاف٢.

وذكر "الدميري" أن "المكاتبة" لفظة إسلامية٣. ولكني أشك في صحة هذا الرأي؛ لأن التكاتب كان معروفا عند الجاهليين، وهو عقد من العقود، يؤدي العبد بموجبه ما فارقه عليه من أداء المال، فإذا أداه استحق العتق، وإن عجز عن أداء نجم يحل عليه، فلسيده تعجيزه٤. ودليل ذلك ما ورد عن المكاتبة في القرآن الكريم من قوله: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} ٥. فنسق الآية يدل على وجود التكاتب عند الجاهليين، وإذا وجد، فلا يستبعد استعمالهم لفظة "المكاتبة" قبل الإسلام.

أما "التنجيم"، فمن "نجم المال": إذا أداه نجومًا، أي: يؤديه عند انقضاء كل شهر منها نجمًا، حتى إنهم كانوا يؤدون الديات نجوما. قال زهير في ديات جعلت نجومًا على العاقلة:

ينجمها قوم لقوم غرامة ... ولم يهريقوا بينهم ملء محجم

"وفي حديث سعد: والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة. تنجيم الدين: هو أن يقدر عطاؤه في أوقات معلومة متتابعة مشاهرة أو مساناة, ومنه تنجيم المكاتب"٦. ويظهر من ذلك أنهم كانوا في الجاهلية ينجمون حق العتق، ويكتبون بذلك كتابًا.


١ إرشاد الساري "٤/ ٣٢٩"، "باب المكاتب"، تفسير الطبري "١٨/ ٩٨ وما بعدها".
٢ تفسير الطبري "١٨/ ١٠١ وما بعدها".
٣ تاج العروس "١/ ٤٤٥"، "كتب".
٤ تاج العروس "١/ ٤٤٥"، "كتب".
٥ سورة النور، الرقم ٢٤، الآية ٣٣، تفسير الطبري "١٨/ ٩٨ وما بعدها".
٦ تاج العروس "٩/ ٧٢"، "نجم".

<<  <  ج: ص:  >  >>