على بعضها اسم الملك الذي ضربت في أيامه، أو الحرف الأول من اسمه، وعلى بعض آخر رموز وصور ألف العرب الجنوبيون ضربها على النقود، مثل صورة "أثينة" أو "البوم" وهي من الطيور التي ألف العرب الجنوبيون إظهار صورتها على النقد، وعلى الحجارة المكتوبة, وعلى جبهات البيوت.
والعملة تطور خطير من التطورات التي أثرت في الحياة الاقتصادية للبشر, أحد اختراعها انقلابًا كبيرًا في النظم الاقتصادية والاجتماعية، ويعد إيجادها من المخترعات الكبرى التي لعبت دورا خطيرا في حياة الإنسان ولا تزال تلعبه. قلصت أعمال المقايضة المرهقة المتعبة، وقضت على التعامل بالوزن في تقدير الأثمان؛ أعني التعامل بوزن الذهب والفضة في تقدير قيم الأشياء، بأن يعطي إنسانٌ إنسانًا قيراطًا من ذهب، أو نصف مثقال، أو مثقالًا مقابل سلعة ثم التساوم على سعرها, أو وزن مثقال من فضة أو أقل من ذلك أو أكثر في مقابل سعة يريدها المشتري, وهو نظام سبق نظام النقد، الذي ولدت منه فكرة العملة. وهو نظام متقدم بالنسبة إلى نظم المقايضة التي سبقته، قلَّص من صعوباتها كثيرًا، وأراح التاجر في التعامل، حتى ولدت فكرة سك العملة، فقلصت منه ومن تعقيداته، لسهولة التعامل بالعملة، ولاكتسابها صفة رسمية وسعرًا ثابتًا مقررًا ووزنًا معينًا حددته الحكومات.
وفي وسعنا إطلاق مصطلح "النقد الطبيعي" على نظام المقايضة، أي: مبدأ مبادلة سلعة بسلعة, فهو في الواقع نظام يستند على مبدأ التسعير وتثمين السلع وبيع سلعة بثمن سلعة أخرى. ولما وجد الإنسان صعوبة كبيرة في التعامل بهذه الطريقة، هداه عقله وتقدمه الفكري إلى ابتداع طريقة التعامل بالذهب والفضة وزنًا؛ فخفف الإنسان بذلك كثيرا من التعقيدات والصعوبات التي كان يجابهها في تعامله بالمقايضة، فكان إذا أراد شراء حاجة عامل صاحبها بمقدار موزون من الذهب أو الفضة، يقدمه إليه في مقابل شرائها, ثم انتقل بعد ذلك إلى طريقة سك العملة. فسهل بذلك معاملاته في البيع والشراء كثيرا، ولا زال هذا النظام سائدًا في كل أنحاء العالم، مع نظام العملة الورقية ونظام التعامل بالصكوك.
وقد تعامل الجاهليون بالطرق الثلاثة المذكورة؛ تعاملوا بالمبادلة، أي: المقايضة، وتعاملوا بوزن الذهب والفضة، وتعاملوا بالعملة. ولما ظهر الإسلام كانت هذه الطرق لا تزال مألوفة عندهم متبعة، فكانوا يبيعون تمرًا بتمر، وشعيرًا بشعير،