وقد عثر على جرار على هيئة "الثومة", أي: ذات عنق طويل, وأما أسفلها فواسع, في مواضع متعددة من جزيرة العرب وفي بلاد الشأم. وتعرف بـ"بقبق" و"بقبقة". وهي "بقبق" "بقبوق" في العهد القديم١.
وللتربة أهمية كبيرة في صنع الخزف, ولهذا اشتهرت بعض المواضع ذات التربة الجيدة بجودة فخارها, فكانت تصدره إلى أماكن أخرى. كما أن للعناية التي يبذلها الفخار في عجن الطين وفي تنقيته من الشوائب أهمية كبيرة في صناعة الفخارة.
ولم يشر أهل الأخبار إلى الآلات التي يستعين بها الخزاف والكواز الجاهلي في صناعته. ولكن سكوتهم هذا لا يكون دليلًا بالطبع على عدم استعانة الفخار والكواز بالآلات, فليس من المعقول صنع أنواع الفخار بغير آلة. فإن عملها باليد وبغير آلة أمر يكاد يكون صعبًا. وكل الخزف الذي عثر عليه يدل على أنه صنع بآلة؛ لأنه على شكل منتظم. والآلة التي يستخدمها الخزاف في صناعته, هي دولاب يدير قرصًا من الخشب, يوضع عليه الطين ثم يحرك, فيدور القرص ويدور الطين الذي عليه معه, ويعالجه الخزاف بيده ليعطيه الشكل الذي يريده. ولصنع خزف جيد لا بد من العناية بالطين, فيختار ترابه من تربة جيدة خالية من الأملاح والرمال, ثم يعجن بعناية, ويترك مدة ليختمر جيدًّا. وإلا كان الخزف رديئًا. وقد يدهن الخزف بعد جفافه بدهن ملون أو ينقش بنقوش, ثم يفخر بالنار.
واستخدم "الأتون", لتحويل المواد التي صنعها الخزاف من الطين إلى خزف. والأتون هو "كورة" في أسفله موقد توقد فيه النيران, فيرتفع لهيبها وتصعد حرارتها من خلال فتحات تكون في قاع الأتون الذي هو سقف الموقد إلى أعلى مارة بين مصنوعات الطين الموضوعة في باطن الأتون لتشويها فتتحول بذلك إلى خزف وفخار. وتكون الأتونات مرتفعة لها فتحة في أعلاها وفتحة في الجانب تغلق أثناء العمل, وتفتح بعد نضوج الخزف والفخار. ولا يزال الخزافون والفخارون يصنعون بضاعتهم بهذه الأتونات على النحو المذكور. ويذكر علماء
١ أرميا, ١٩, ١١٠, "Ency. Bibl. Vol. I, p.٦٠٠.".