للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد ذكر أن جماعة من "بني الحارث بن كعب" وفدت على الرسول، فنظر إليهم، فقال: "من هؤلاء الذين كأنهم من الهند؟ ", وقد كان "قيس بن عمرو" الشاعر المعروف بـ"النجاشي" من هؤلاء١. وسواء أكان ما نسب إلى الرسول من قوله المذكور صحيحا أم موضوعًا، فإن الأخبار تذكر أن بشرة "بني الحارث بن كعب" كانت تميل إلى السمرة الشديدة، بل إلى السواد الذي يشبه سواد بشرة الإفريقيين، أفلا يجوز أن يكون أصلهم من إفريقيا, وقد عرفت جماعة كبيرة من أهل مكة بالأحابيش؛ لأن أصلهم من رقيق الحبشة والسواحل الإفريقية المقابلة لجزيرة العرب؟.

فدعوى وجود جنس "أنتروبولوجي" واحد أو جنسين منفصلين، لكل منهما خصائص جسمية وملامح "فسيولوجية" معينة للعرب، وبالمعنى العلمي المفهوم اليوم عند علماء الأجناس، هي دعوى غير مقبولة؛ لأن البحوث العلمية والمختبرية لا تؤيدها ولا تثبتها، ولأن البحوث التأريخية الحديثة تعارضها أيضا، وكل ما نقوله هو أن ما نسميه اليوم بالجنس هو جنسية ثقافية فكرية، لا جنسية دموية تقوم على وحدة الملامح والمظهر والدم.

فما يذكره أهل الأنساب عن النسبين، وما يتصوره بعض الناس من صفاء الجنس العربي صفاء تاما ونقائه من كل دم غريب، دعوى لا يمكن الاطمئنان إليها في هذا اليوم. لن يضير العرب قول مثل هذا، فصفاء الأجناس البشرية صفاء تاما، من القضايا التي عجز حتى القائلون بنظرية العنصريات مثل النازيين عن إثباتها في هذا اليوم, وسيظهر ضعفها في المستقبل ظهورًا أوضح مما هو عليه الآن.

لقد كان "نولدكه" أول من شك في المستشرقين في هذا النسب العام الذي وضعه أصحاب الأنساب للعرب، وكان أول من نبه على أثر اليمانيين في وضعه وفي محاولتهم إرجاعه إلى عهود قديمة قبل الإسلام٢. وذهب "هاليفي" إلى أبعد من ذلك، فرأى أن كل ما قيل في هجرة القبائل اليمانية إلى الشمال هو أسطورة،


١ البيان "١/ ٢٣٩"، الإصابة "٨٥٨"، الخزانة "١/ ١١٣".
٢ muh. Stud. Bd. I, s. ٩٢, noeldeke, in zdmg. Xl

<<  <  ج: ص:  >  >>