وغيّروا فيها بعض التغيير، فظهر من ذلك القلمِ القلمُ اللحياني والقلم الثمودي، غير أننا نجد أن كتابات القلم اللحياني تختلف بعض الاختلاف. وقد قسّمها "ورنر كاسكل" إلى نوعين: كتابات لحيانية متقدمة، وكتابات لحيانية متأخرة. وقد بني تقسيمه هذا على أساس قدم الكتابات وتأخرها في التأريخ. والواقع أننا نجد الكتّاب قد تحرروا في كتابة حروفهم في جميع العهود، في العهد المتقدم وفي العهد المتأخر، بحيث لم يتركوا لنا مجالًا للأخذ بهذا التقسيم. فنراهم وقد كتبوا بعض الحروف بأوضاع قد تزيد على الخمسة. غير أننا إذا ما تصفحنا هذه الحروف المختلفة الأشكال، لا نجدها تختلف اختلافًا بينًا، إنما يرجع هذا الاختلاف في الواقع إلى ضعف وقوة يد الكاتب الذي حفر تلك الكتابات على الحجارة أو الخشب أو المواد الأخرى التي حفر الكتابة فيها. فمنهم من كان قويًّا في حفره للحروف، ومنهم من كان ضعيفًا، فبان هذا الاختلاف في هيئات رسم الحروف. ومن هنا أرى أن اختلاف صور الحروف، لا يدل حتمًا على تطور الخط، بقدر ما يدل على مهارة أو ضعف الكاتب في الكتابة.
والقلم اللحياني مثل المسند خالٍ من الشكل، وخالٍ من الرموز أو الحروف التي تشير إلى المدّ أو التشديد أو الإشباع أو الإشمام أو الإمالة وما شابه ذلك. وقد أوجد هذا النقص لقراء الكتابات اللحيانية مشكلات كثيرة في فهمها وفي ضبط الكلمات والأسماء فيها. فلفظة "زد" مثلًا المكتوبة بحرفين، قد تقرأ على أشكال مختلفة، قد تقرأ "زَد" و"زِد" و"زُد" و"زاد" و"زيَدْ" و"زود"، إلى غير ذلك من أشكال. وهي قد تكون اسمًا، كما قد تكون فعلًا أو مصدرًا، وعلى القارئ استخراج نوعها من موقعها في الجملة ومن مقتضى الحال. ومثل ذلك عن "شم" التي تعني "شيم" اسم رجل، "وكتب" بمعنى "كاتب" اسم رجل أيضًا، مع أن للكلمة عدة معانٍ يفهمها الإنسان من موقع اللفظة في النص.
ولم يتقيد كتّاب الكتابات اللحيانية تقيدًا تامًّا بكتابة الفواصل العمودية التي تستعمل للفصل بين الكتابات، كما تقيد بها كتّاب المسند. غير أنهم لم يسيروا في كتاباتهم على وتيرة واحدة، فنراهم يخالفونها أحيانًا فيفصلون الألفاظ بفواصل. وقد رفعت الفواصل عن الألفاظ المؤلفة من مقطع واحد، مثل مع، وكتبت مع اللفظة التي تليها. أما إذا اجتمعت لفظتان، كل واحدة منهما ذات مقطع