للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول إلى قيصر وكسرى ذكروا أن الصحابة أشاروا على الرسول أن يتخذ خاتمًا يختم به كتبه؛ لأن الروم لا يقرءون كتابًا غير مختوم. ويظهر من كلامهم هذا أن أهل مكة لم يكونوا يختمون رسائلهم بخاتم، وإنما كانوا يكتفون بتدوين الاسم. والذي يتبين له من ملاحظتهم هذه عن الروم أنهم قصدوا بالخاتم الختم، على الكتب، إضافة إلى الاسم، وهو ما يقال له SigiIIum عندهم، كما أشرت إلى ذلك آنفًا. وهو يقابل ختم الدوائر في الزمن الحاضر، وطبع شعار الدائرة على الورق، ليكون ذلك تعبيرًا عن صفة الورقة الحكومية. فالغاية من إشارة الصحابة على الرسول بختم كتابه، هو إكسابه صفة رسمية، ليكون ذلك متفقًا مع طريقة الروم. ولا بد أن يكون رؤساء مكة قد راعوا هذا الأسلوب في مراسلاتهم مع البيزنطيين.

وقد استعمل الخاتم في الغالب لتصديق الأوراق الشخصية والمعاملات الحكومية. فإذا أريد تصديق معاملة أو إرسال كتاب أو ختم صندوق، ختم بالخاتم، على الخاتم شيء من الكتابة يأمر صاحب الخاتم بحفرها، كي يظهر أثرها على الورق أو الشمع أو الطين. وكان منح الخاتم لموظف دليلًا على منحه الثقة وتعيينه في وظيفته التي اختير لها١.

وقد كان رجال التجارة والأعمال وأصحاب المصالح يثبتون أعمالهم وعقودهم في صحف وكتب. وإذا أرادوا عقد عقد، مثل اتفاق على شيء أو تدوين ميثاق، دوّنوه على صحيفة وأشهدوا على ذلك، ليكون أوثق وأثبت للعقد. وقد عرف كتاب الشراء بالعهدة٢. وأما كتاب العهد، فهو ما يعهد به. وقد وردت في القرآن الكريم إشارة إلى الكاتب بالعدل. أي: الكاتب الذي يتولى كتابة العهود والمواثيق بين الناس.

وقد ورد في كتاب "البيان والتبيين" للجاحظ: أن الرسول قال: "إذا كتب أحدكم فليترب كتابه"٣، أي: إن الكاتب إذا انتهى من كتابة كتابه، فليضع التراب عليه، ليجفف حبره.


١ قاموس الكتاب المقدس "١/ ٤٠٥"، Smith, A Diction., III, p. ١١٨٨.
٢ بلوغ الأرب "٣/ ٣٧١".
٣ البيان "٣/ ٢٠٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>