للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والقراءة. بل ذهب بعضهم إلى أنه لم يكن في الأنصار من يحسن الكتابة١. وكلامهم هذا يصطدم مع ما ذكروه أنفسهم من أن "سويد بن الصامت" الأوسي، وسعد بن زرارة، والمنذر بن عمرو، وأُبي بن كعب، وغيرهم ممن أشرت إليهم في مواضع أخرى من هذا الكتاب، كانوا من الكتّاب.

ويفهم من قول "الشّماخ":

كما خط عبرانية بيمينه ... بتيماء حَبْرٌ ثم عرض أسطرًا

أن هذا الشاعر كان قد زار تيماء، وقد وقف على خط اليهود، ورأى أحدهم وقد عرض أسطر الكتابة ودونها بيمينه٢. وقد وصف غيره كتابة اليهود وتعلمهم الخط في مدراسهم بالمستوطنات اليهودية.

وكانوا يستعينون بصبيان الكتّاب في بعض الأحيان لكتابة جملة نسخ مما يراد نشره وإذاعته أو حفظه. فورد أن النجاشي الشاعر، لما هجا "بني النجار" من الأنصار شكوا ذلك إلى حسان، فقال قصيدة في هجائه وفي هجاء قومه، ثم "قال اكتبوها صكوكًا وألقوها إلى صبيان المكاتب، فما مرّ بضع وخمسون ليلة حتى طرقت بنو عبد المدان حسّان بالنجاشي موثقًا معهم"، وذلك للاعتذار إليه واسترضائه٣.

وقد كان للديانتين اليهودية والنصرانية فضل كبير على أهلهما في نشر الكتابة والعلوم بينهم إذ صارت معابدهم مدارس يتعلم فيها الناس أصول ديانتهم ومبادئ المعرفة والكتابة والقراءة لمن يرغب من الأطفال، كما أدت حاجة الديانتين إلى رجال دين يقومون بتثقيف الناس وتعليمهم أصول دينهم ونشر ديانتهم بين الوثنيين، أو بين أصحاب الديانات الأخرى، إلى تكوين معاهد خاصة لتخريج هؤلاء الرجال، ألحقت بالمعابد، درسوا فيها الكتب المقدسة وما وضع عليها من تفاسير وشروح، ومما يتعلق بشرحها من دراسة للغات وفلسفة وجدل وأمور أخرى لها علاقة وصلة بالديانات. وقد كان من بين هؤلاء الرجال أناس أذكياء ذوو نظر واسع، فلم


١ إمتاع الأسماع، للمقريزي "١/ ١٠١".
٢ ديوان الشماخ "١٦"، ديوان زهير "٥".
٣ شرح ديوان حسان "ص٢١٣ وما بعدها" "البرقوقي".

<<  <  ج: ص:  >  >>