للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحروف وبخفتها في الكتابة, أي: سهولتها، ولا تزال هذه الطريقة المعروفة بـ"خط المشق" معروفة. وهي تستعمل عند الخطاطين في كتابة بعض الأمور التي يناسبها هذا الخط. ذكر أن الخليفة "عمر" ذكره فقال: "شرّ الكتابة المشق وشر القراءة الهذرمة"١. لما في الاثنين من السرعة والتسرع. فالهذرمة السرعة.

وذكر أيضًا أن "ابن سيرين" كره كتابة المصاحف بالمشق٢.

والنوع الثاني الذي نعرفه من أنواع الخطوط، هو الجزم، وهو خط أهل الحيرة. وهو خط المصاحف٣.

ويجب أن نضيف إلى هذين القلمين قلم أهل مكة، الذي دعاه "ابن النديم" بـ"الخط المكي"، ثم الخط المدني. وقد ذكر أن ما بعدهما الخط البصري ثم الكوفي. وهما خطان إسلاميان، وإن كنت لا أستبعد من كونهما قد أخذا من خط عرب العراق في الجاهلية، ولعلهما قد طعما بشيء من قلم أهل مكة أو المدينة. وقد وصف "ابن النديم" بعض خصائص القلم المكي والقلم المدني، فقال: "فأما المكي والمدني، ففي ألفاته تعويج إلى يمنة اليد وأعلى الأصابع وفي شكله انضجاع يسير٤. ويمكن استخراج بعض خواص رسم خطوط أهل الحجاز في القرن الأول للهجرة من الكتابات التي عثر عليها بعض الباحثين في مواضع متعددة من الحجاز، والتي قد يعثر عليها في المستقبل.

والصفة التي يذكرها "ابن النديم" عن ألفات أهل مكة وأهل المدينة، تدل على أن أهل المدينتين قد أخذوا خطهم من أهل العراق والنبط؛ لأن الصورة المذكورة هي صورة كتابة الألف في الخط الشمالي، ولم يعدل الألف، بحيث صير مستقيمًا إلا في الإسلام.

وأنا لا أستبعد احتمال تدريس مبادئ اللغات وبينها مبادئ اللغة العربية في الحيرة وفي الأنبار وفي مواضع حضرية أخرى؛ فليس يعقل اقتصار التعليم في هذه المواضع على تعليم الخط والقراءة ثم لا يتجاوزهما إلى مراحل أخرى ومراقي أرفع. خاصة وأن السريانيين كانوا قد اقتبسوا من اليونان أجرومية النحو وأصول


١ الصولي، أدب الكتاب "٥٦".
٢ تاج العروس "٩/ ١٠١"، "هذرم"، المصاحف، للسجستاني "١٣٤".
٣ الاقتضاب، للبطليوسي "٨٩".
٤ الفهرست "١٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>