للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أشباهه من المعاني، فلذلك تُضرب وإن جُهلت أسبابها التي خرجت عليها، واستجيز من الحذف ومُضارع ضرورات الشعر فيها ما لا يستجاز في سائر الكلام"١.

ويلاحظ أن العرب قد أجازت لضارب المثل الخروج فيه على قواعد اللغة، كما أجازت ذلك للشاعر بدعوى ضرورات الشعر، ليستقيم الشعر مع القوافي والوزن. أجازته في المثل لأنه قد يصدر شعرًا، وقد يصدر سجعًا، وقد يصدر من أفواه أناس جهلة لا يبالون بالقواعد، أو ليس لهم علم بها، وقد يصدر من قبيلة لا تتبع في لغتها قواعد الإعراب.

ونجد في كتب الأمثال وفي كتب الأدب أمثالًا وضعت لأغراض مختلفة، يغلب عليها الطابع التعليمي، أي: تعليم من يقرأها حكمة الحياة، وتجارب الماضين حتى يُستفاد ويُتعظ. بعض منها نابع من محيط البداوة ومن الطبيعة الأعرابية، وبعض منها تجارب عملية عامة تنطبق على كل الناس وتصلح لكل الأوقات٢.

والأمثال عند بعض الشعوب صنف من أصناف الشعر، لما فيها من الخصائص المتوفرة في الشعر عندهم. وقد روعي في المثل بصورة عامة أن يكون قصيرًا موجزًا وبليغًا معبرًا عن حكمة، فيه نغمة وترنيم. ليؤثر في النفوس. ويحمل الطبع قائل المثل على مراعاة هذه الأمور من غير تفكير ولا تصنع، وهو إذا كان صادرًا من قلب وسجية، ومعبرًا عن نفس جياشة وعن حس بشري عام، يشعر به كل إنسان تقبله الناس بسرعة، ووجد له مجالًا من الانتشار، وعمر عمرًا طويلًا.

والأمثال، هي في صدر المؤلفات التي وضعها المسلمون، فقد روي: أن عبيدًا بن شَرْيَةَ الجُرهُمي، وهو من أهل "صنعاء" باليمن، من أوائل المؤلفين في الأخبار وملوك العرب والعجم، ألّف كتاب "الأمثال" وقد رآه "ابن النديم" في نحو خمسين ورقة. كذلك ألّف صحار بن العباس العبدي، وهو من بني عبد القيس، وممن أدرك الرسول، "كتاب الأمثال"٣. وذكروا


١ المزهر "١/ ٤٨٦ وما بعدها".
٢ الأمالي "٢/ ١١، ٢٨، ٥١، ٧٧ ومواضع أخرى"، المستطرف "١/ ٢٧ وما بعدها"، المزهر "١/ ٤٨٨ وما بعدها".
٣ الفهرست" ص١٣٨"، ابن الأثير "١/ ١٤٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>