للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"٣٩٥ هـ"، طبعت بعنوان: "كتاب أبيات الاستشهاد"١، دوّن فيها بعض الشعر الذي استشهد به الناس في أمثالهم. ورسالة أخرى ألّفها "أبو العباس محمد بن يزيد المبرد" الأزدي "٢٨٥هـ"، بعنوان: "رسالة في أعجاز أبيات تغني في التمثيل عن صدورها"٢.

وهنالك مؤلفات عديدة أخرى، وضعت في الأمثال. وفي إقبال المؤلفين على التأليف بها بهذه الكثرة، دلالة على ما كان للمثل من أهمية، وعلى ما كان له من قيمة في نظر أهل الجاهلية. حفظوه حفظهم للشعر، بل أكثر من الشعر؛ لأنه يرد على كل لسان، يرد على لسان الحكيم البليغ كما يرد على لسان الغبي والجاهل، ثم إنه توجيه وتربية وتعليم، فلا نستغرب إذن إذا ما وجدنا كتب الأمثال في صدر الكتب التي ظهرت في الإسلام. وقد رأيت أنها ظهرت في عهد "معاوية" وبأمره، فهي بحق من أوائل المؤلفات التي وصلت إلينا بالعربية. وكان معاوية مولعًا بسماع الأمثال والقصص وأخبار الماضين والشعر.

والأمثال، هي أيضًا مادة مهمة لفهم التأريخ الجاهلي. فقد تعرض جامعوها لأصل المثل وللأسباب مضربه، وجاءوا بشروحهم هذه بمادة تأريخية استعنا بها على فهم مواضع من ذلك التأريخ. ولكنا يجب أن نأخذ هذه الأمثال وشروحها بحذر. ففي أكثر الشروح تكلف وضعف، يدلان على عدم إمكان الاعتماد عليها في تكوين حكم علمي.

ونجد في الأمثال الجاهلية أمثالًا ضربت بالناس، مثل: أسخى من حاتم، وأشجع من ربيعة بن مكدم، وأدهى من قيس بن زهير، وأعز من كليب وائل، وأوفى من السموأل، وحجام ساباط، وقوس حاجب، وغيرها. ونجد أمثالًا تمثل فيها بالبهائم، وغير ذلك. ولكل مثل قصة تروي منشأ ضرب ذلك المثل وما وراءه من خبر. وهي تعبير عن روح الزمان الذي قيل فيه وعن نفسية المتمثلين به. وكثير من الأمثال الجاهلية ما زالت دائرة على ألسنة الناس. وفي وجودها دلالة على أن الأحوال التي قيلت فيها لا تزال قائمة، ودليل ذلك اعتبار الناس بها والاستشهاد بها في المناسبات.


١ سلسلة نوادر المخطوطات "المجموعة الثانية"، "١٣٧ وما بعدها"، "تحقيق عبد السلام هارون"، "القاهرة ١٩٥١م".
٢ نوادر المخطوطات "المجموعة الثانية"، "٦٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>