للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد كانت الحمى منتشرة في المواضع التي تكون فيها الينابيع والمستنقعات والمياه الآسنة الواقفة وما شاكل ذلك من أمكنة، ولما كان العرب في حاجة شديدة إلى الماء، كانوا يشربون منها اضطرارًا، فأصيبوا بسبب ذلك بأنواع من الأمراض.

وقد كانت وسائل مقاومة البعوض الناقل للحمى غير معروفة، كما أن وسائل العناية بالصحة وتنظيف الجسم لم تكن متوفرة عندهم بسبب فقر أكثرهم، لذلك صارت أجسامهم معرضة لمختلف الأمراض، ولا سيما أهل المدر الذين لم تكن بيوتهم صحية، ولا مياههم نقية، وكانت بيوتهم ضيقة غير صحية، فكانوا يصابون بالسل وبالأمراض الأخرى، أكثر من الأعراب المتباعدين في السكن، والذين لا يعرفون البعوض، ويستنشقون الهواء النقي، وتقيهم الشمس من شر الجراثيم.

والذبحة: وهي داء يأخذ بالحلق، وقد كان معروفًا بين الجاهليين، وكانوا يعالجونها بالكي. ذكر أن الرسول كوى "أسعد بن زرارة" في حلقه من "الذبحة"، وقيل: "الشوكة"١. وأنه عاد "البراء بن معرور"، وأخذته الذبحة، فأمر من لعطه بالنار٢.

وقد أشير إلى مرض عرف بـ"خبط" في نصوص المسند، وقد فسر أنه برد شديد في الرأس٣.

وقد كانت الأوبئة تفتك بالناس فتكًا، فكان الأغنياء والموسرون يفرون من الأماكن المزدحمة إلى أماكن بعيدة، ويلجأون إلى الصحارى ابتعادًا عن المصابين بها. وكانوا يرجعون أسبابها وأسباب الأمراض عمومًا إلى غضب الآلهة على الناس، وإلى أرواح شريرة تصيب الجسم من الأكل والشرب، وإلى أنواع من الهوام والحشرات. ومن أشهر أنواع هذه الأوبئة الطاعون والجدري والهيضة.

والطاعون المرض العام والوباء، وقد أشير إليه في كتب الحديث. ويظهر أنه كان منتشرًا معروفًا في الحجاز وفي سائر أنحاء جزيرة العرب آنئذ٤. وقد جعل


١ اللسان "٢/ ٤٣٨"، "ذبح"، الإصابة "١/ ٥٠"، "رقم ١١١".
٢ اللسان "٢/ ٤٣٨"، "ذبح".
٣ Mahran, P. ٤٣٧
٤ تاج العروس "٩/ ٢٦٩"، "طاعون عمواس" في أيام عمر، إرشاد الساري "٨/ ٤٨٣ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>