للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينها، وهي كلها في نظرهم سواء. فلا يؤمنون بوجود أشهر حرم مقدسة، ولا بوجود أشهر حل، بل الأشهر عندهم كلها حلال. ولا يمتنعون من القتال في أي يوم أو شهر من السنة.

فهم إذن على نقيض "المحرمين" للأشهر المعظمين للحرم وللأشهر الحرم، قوم لا عهد لهم ولا ذمة بالنسبة إلى شهور السنة.

والظاهر أن "المحلين" كانوا يتحارشون بالمحرمين وبغيرهم في الأشهر الحرم، ولما كان من شرع "المحرمين" الامتناع عن القتال في تلك الأشهر، فللدفاع عن النفس أباح النسأة لمقلديهم المحرمين مقاتلة المحلّين إذا تعرضوا لهم. إذ جاء: "كان الذين ينسأون الشهور أيام الموسم يقولون: حرمنا عليكم القتال في هذه الشهور إلا دماء المحلين. فكانت العرب تستحل دماءهم في هذه الشهور"١.

وجاء: "وإني قد أحللتُ دماء المحلين من طيء وخثعم، فاقتلوهم حيث وجدتموهم إذا عرضوا لكم"٢.

ويجب أن نضيف على هؤلاء طائفة من العرب من ذي البانة والصعاليك وأصحاب التطاول، وأمثالهم ممن كانوا لا يرون للحرم حرمة ولا للأشهر الحرام قدرًا٣.

فكانوا يغيرون في هذه الأشهر ويحلون القتال فيها وفي كل وقت، كما كانوا لا يؤمنون على الحرم. فإذا وجدوا فرصة سرقوا في الحرم وأخذوا ما يقع في أيديهم دون استحياء ولا مبالاة بحرام وحلال، نظرًا لما هم فيه من جوع وفاقة وحاجة، دفعتهم إلى الكفر بكل قانون وعقيدة وعرف.

ويجب أن نضيف إلى المحلين العرب الذين لم يكونوا على دين أهل الشرك، مثل النصارى واليهود. فقد كانت النصرانية قد وجدت سبيلها بين تغلب، وشيبان، وعبد القيس، وقضاعة، وغسان، وسلبح، والعباد، وتنوخ، وعاملة، ولخم، وجُذام. وكثير من بلحارث بن كعب٤، وبعض طيء وتميم. فهؤلاء لم يكونوا على شرك، لذلك لم يراعوا حرمة تلك الأشهر ولم يحجوا إلى محجات المشركين، وإنما كانوا يتقربون إلى قبور شهداء الكنيسة وإلى أضرحة القديسين،


١ تاج العروس "٨/ ٢٤٤"، "حرم".
٢ نقلًا عن مخطوطة أنساب الأشراف على رواية: Kister, P. ١٤٢
٣ ثمار القلوب "٨٨"، Kister, P. ١٤٣
٤ الحيوان "٧/ ٢١٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>