للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويوم "عاشوراء" هو يوم "ع ش ور" Ashura "عشور" "عشورا" عند العبرانيين، ويقع في اليوم العاشر من شهر "تشرى"١. وهو يوم خاص بيهود. وأنا أشك في صحة رواية أهل الأخبار القائلة أن قريشًا كانوا يصومونه في الجاهلية، إذ ما هي صلة قريش الوثنيين الذين لم يكونوا من أهل الكتاب بصيام يوم هو من صميم أحكام ديانة يهود. ومما يؤيد رأيي، هو أن أهل الأخبار أنفسهم يذكرون أن الرسول "حين قدم المدينة، رأى يهود تصوم يوم عاشوراء، فسألهم، فأخبروه أنه اليوم الذي غرّق الله فيه آل فرعون، ونجى موسى ومن معه منهم، فقال: "نحن أحق بموسى منهم"، فصام، وأمر الناس بصومه. فلما فرض صوم شهر رمضان، لم يأمرهم بصوم يوم عاشوراء، ولم ينههم عنه"٢. فلو كان الصيام معروفًا عند قريش، لما سأل الرسول يهود يثرب عن صومهم صيام عاشوراء، وما جاء من قوله: "نحن أحق بموسى منهم"، فصام، وأمر الناس بصومه" إلى أن فرض رمضان، فرفع عنهم صومه، وجعلهم أحرارًا إن شاءوا صاموه وإن شاءوا أفطروا، أي: صار تطوعًا، وهو حديث يشك فيه العلماء كذلك. وهذه الرواية تناقض تمامًا رواية صيام قريش يوم عاشوراء.

ثم إننا لا نجد في القرآن ولا في الحديث –غير حديث عائشة- ما يشير إلى وجود ذلك الصوم بمكة قبل الهجرة، ولو كان معروفًا لما سُكت عنه. ويرجع بعض المستشرقين دعوى صيام قريش لذلك اليوم إلى محاولة إرجاع الأصول الإسلامية إلى الحنيفية القديمة وإلى قدماء العرب ثم إلى إبراهيم، فصيروا قريشًا تصوم عاشوراء لإرجاع الصيام إلى أصل قديم٣.

ولا يعقل وجود الصيام عند المشركين، لأنهم لم يكونوا أهل كتاب، وإنما كان الصيام معروفًا عند الأحناف لاتصالهم بهم، وتأثرهم بكتبهم وبما كان عندهم من أحكام، ومن ذلك ترهبنهم وزهدهم، وقد كان الرهبان يكثرون من الصوم والاعتكاف.

وأنا لا أستبعد أن لفظة "محرم" هي نعت لهذا الشهر لا اسمًا له، عرف بها لكونه شهرًا حرامًا. تقع عليه الحرمة، ومن حرمته أن الجاهليين كانوا يبتدئون


١ Shorter Ency., P. ٤٧
٢ الطبري "٢/ ٤١٧".
٣ Shorter Ency. P. ٤٨

<<  <  ج: ص:  >  >>