للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقول الآخر:

نسئوا الشهورَ بها١ وكانوا أهلها ... من قبلكم والعز لم يتحول٢

واعتبرناه صحيحًا، نستنتج منه أن النسيء كان خاصًّا بحج "مكة"، وبالقبائل التي عرفت بقبائل "معد". وقد عرفنا قبائل وعشائرها وفي جملتها قريش.

وإذا أخذنا النسيء بهذا المعنى، صار معناه مجرد تبديل شهر بشهر، وتأخير حرمة شهر إلى الشهر الذي يليه. وليس هذا بزيادة، أي: زيادة أيام أوشهر على شهور السنة، وهي الأيام التي تتخلف فيها السنة. القمرية عن السنة الشمسية، لتساوى بها، فتثبت الأشهر في مواضعها من الفصول، وهو ما يعبر عنه بالكبس فليس هذا النسيء كبسًا إذًا

وقد تعرض "البيروني" لموضوع النسيء عند العرب، فقال: "وكانوا في الجاهلية يستعملونها على نحو ما يستعمله أهل الإسلام. وكان يدور حجهم في الأزمنة الأربعة. ثم أرادوا أن يحجوا في وقت إدراك سلعهم من الأدم والجلود والثمار وغير ذلك، وأن يثبت ذلك على حالة واحدة، وفي أطيب الأزمنة وأخصبها.

فتعملوا الكبس من اليهود المجاورين لهم. وذلك قبل الهجرة بقريب من مئتي سنة. فأخذوا يعملون بها ما يشاكل فعل اليهود من إلحاق فضل ما بين سنتهم وسنة الشمس شهرًا بشهورها إذا تم.. ويسمون هذا من فعلهم النسيء، لأنهم كانوا ينسأون أول السنة في كل سنتين أو ثلاث شهرًا، على حسب ما يستحقه التقدم"٣.

وتعرض "ابن الأجدابي" لموضوع "الكبس" والسنة "الكبيسة" عند العبرانيين واليونانيين كذلك، فقال: "وقد كانت العرب في الجاهلية تفعل مثل هذا، وتزيد في كل ثالثة من سنيها شهرًا، على نحو ما ذكرناه عن العبرانيين واليونانيين.

وكانوا يسمون ذلك النسيء. وكانت سنة النسيء ثلاثة عشر شهرًا قمرية. وكانت


١ مرجع الضمير فيه "مكة".
٢ الأمالي، للقالي "١/ ٤".
٣ الآثار الباقية "١١، ١٢، ٦٢، ٣٢٥"، ابن الأجدابي "٣٢"، القانون المسعودي "٩٢، ١٣١"، التفسير الكبير، للرازي "٤/ ٤٤٧"، روح المعاني "١٠/ ٩١ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>