للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يمنعهم من التوريخ بالتقويم القمري في أمورهم الاعتيادية، كما في وفاء الديون، وأخذ الديات، والبيع والشراء، والأسفار، لوضوح الشهر القمري، وإمكان حساب الأهلة وضبط عددها بسهولة ويسر، فيسهل على المتعاقدين التعاقد بموجب عدد الأهلة، أما الزراعة، وتربية الحيوان ودفع الضرائب وما شابه ذلك، فلا صلة لها بالأهلة، وإنما صلتها بالمواسم والفصول، وهي من مكونات السنة الشمسية.

إذن كان العرب الجنوبيون يؤرخون ويعملون بتقويمين: تقويم قمري، وآخر شمسي.

استعمل العرب الجنوبيون التقوم الشمسي في الزراعة، واستعملوا التقويم القمري للأغراض التي ذكرتها، والتقويم النجمي أي: التقويم الذي يقوم على رصد النجوم لأغراض دينية وللوقوف على الأنواء الجوية لما لها من صلة بالزراعة وبالحياة العامة١.

ويتبين من النصوص الثمودية واللحيانية والصفوية، ومن النصوص النبطية، ومن نص النمارة، أن أصحابها كانوا يتعاملون وفقًا للتقويم الشمسي في الأمور التي لها اتصال مباشر بالطبيعة، ووفقًا للتقويم القمري في الأمور الأخرى، لسهولة ضبط الأهلة، وتحقيق العقود بموجبها. وإذا كان الحال على هذا المنوال عند هؤلاء وعند العرب الجنوبيين، فبإمكاننا القول أن بقية الجاهليين، ممن لم يتركوا لنا نصوص، كانوا يتبعون التقويمين كذلك، جريًا على سنة الناس في ذلك العهد، ومنهم الأعاجم، من اتباعهم التقويمين المذكورين في تنفيذ العقود والالتزامات وفي ضبط الأزمنة.

ومما يؤيد اتباع العرب الشماليين للتقويم الشمسي، ما ذكره الكتاب اليونان واللاتين، من أن العرب كانوا يقيمون طقوسهم الدينية ويؤدون شعائرهم المقدسة كالحج إلى المحجات في أوقات ثابتة، فقد ذكر "أفيفانيوس"، أن للعرب شهرًا يحجون فيه إلى محجاتهم، ويقع ذلك في شهر "تشرين الثاني"٢، كما


١ Rhokokanakis, Studien zur Lexikographie und. Grammatik des Altsudarabischen, Band, ٢ S. ١٤٥, Sab. Denkm, S. ٢١, Glaser, Zwei Inschriften, s. ٤٧, Note ٧, ZDMG, ٤٦, ٣٢٢, Glasser, Die Sternkunde der Sudarabischen Qabylen in SBWA, Winckler, AOF, ٢, S, ٣٥١.
٢ Epiphanius, Haer, ٥١, ٢٤, Reste, S. ٨٥, ١٠٠, Ency. Religi, ١٠, p. ١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>