للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن الغريب أن أهل الأخبار قد أغفلوا الإشارة إلى هذا التقويم فلم يذكروا عنه شيئًا، ولم يشيروا إلى أن العرب الجنوبيين كانوا يؤرخون به، مع أهميته وكونه تقويمًا رسميًّا.

هذا، وإن في استطاعتنا القول بأن اليمن لم تسر رسميًّا على التقويم العبراني أو التقويم النصراني، حتى في أيام احتلال الحبش الأخير لليمن، أو في أيام استيلاء الفرس عليها، وذلك بدليل توريخ أبرهة عامل الحبشة على اليمن، وهو نصراني، نصوصه بالتقويم اليماني المستعمل في اليمن الذي تحدثت فيما سلف عن مبدئه، مع أنه حاكم اليمن وممثل الحبش فيها وهو نصراني. وبدليل توريخ عدد من كتابات المسند المتأخرة من عهد لا يبعد كثيرًا عن الإسلام بهذا التقويم.

وليس بالتقويمين المذكورين، أو بأي تقويم آخر من التقاويم المستعملة عند الشرقيين.

ولكن ما أذكره لا يعني بالطبع عدم احتمال توريخ يهود اليمن أو نصاراها أو غيرهم بتقاويم أخرى، مثل التقويم العبراني أو الميلادي، أو غيرهما. وما أقوله هو عن التقويم الرسمي المدون في المسند، وربما سيعثر في المستقبل على نصوص تعود إلى عهد احتلال الحبش لليمن، يرد فيها التأريخ بأيام الحبش فيها، أو بالتأريخ الرسمي الذي كان يتبعه الأحباش في مملكتهم.

أما العرب الشماليون، عرب العراق وبادية الشام وبلاد الشام، فلم يرد إلينا من نصوصهم المؤرخة إلا عدد محدود، منها نص النمارة الذي يعود عهده إلى السنة "٣٢٨" للميلاد. وهو مؤرخ بتقويم بصرى، وبصرى مركز مهم، كان يقصده عرب الحجاز للاتجار وقد وصل إليه النبي. وكان عرب هذه المنطقة يؤرخون به. ويبدأ هذا التقويم بدخول بصرى في حوزة الروم سنة "١٠٥" أو "١٠٦" للميلاد، أي: السنة التي تم فيها القضاء على حكومة النبط وإلحاق "بترا" بـ"الكورة العربية"١.

ولهذا فإذا أردنا تحويل سنة من السنين التي أرخ بها وفقًا لتقويم بصرى،

فعلينا إضافة الرقم "١٠٥" أو "١٠٦" على سني تقويم بصرى، فيكون حاصل


١ Die Araber, II, S. ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>