للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفتق، وشَعَب الصدع، ونحوها. أما إطلاق الأسماء على المسمى الواحد، فيسمونه المتوارد: كالخمر، والعقار، والليث، والأسد.

ومنهم من أثبت الترادف مطلقًا بدون قيد ولا اعتبار، ولا تقسيم؛ وعليه أكثر اللغويين والنحاة١.

ومن أهم أسباب الترادف في العربية، أن العرب كانوا قبائل لها لهجات وألسنة مختلفة، فتباينت بتباين ألسنتها أسماء الأشياء. فالسكين لغة في المدية والمدية لغة في السكين عند دوس. وفي حديث أبي هريرة: "والله لم أكن سمعتها يومئذ"، وذلك حين قدم من دوس ولقي الرسول، وقد وقعت من يده السكين، فقال له: ناولني السكين، فلم يفهم ما المراد باللفظ، فكرر القول ثانية وثالثة، فقال: آلمدية تريد؟ وأشار إليها فقيل له: نعم، فقال: أو تسمى عندكم السكين، والله لم أكن سمعتها إلا يومئذ٢. فقد تكون قبيلة استعملت كلمة لم تستعملها الأخرى، أو استعملت غيرها، خصوصًا وأن بعض البيئات الطبيعية والاجتماعية لقبيلة قد تخالف ما للقبيلة الأخرى، فقبيلة على الساحل وأخرى في جبل، وثالثة في بادية، وقد تأخذ قبيلة اسمًا من الأعاجم لشيء لم يعرف اسمه عندها فتعربه، فيكون اسمًا له، وقد تأخذ قبيلة اسمًا أو أسماء توجد في لسانها من لسان قبيلة أو ألسنة قبائل أخرى، فلما جمع علماء اللغة ألفاظ العربية ودونوها، ولم يفطنوا إلى أصلها ولا إلى القبائل التي استعملتها، ولا إلى تأريخها، لعدم وجود هذا النحو من البحث عندهم في ذلك الوقت، فدونت على أنها مترادفات، وهم في ذلك على صواب، ولكنهم كانوا على خطأ، من حيث أنهم لم يدركوا أنها كانت لغات قبائل، وأن جمعهم للألفاظ، وإهمالهم الإشارة على أسماء القبائل المتكلمة بها، جعلها مترادفات بالمعنى الذي ذهبوا هم إليه.

وبذلك اتسعت مادة مفردات المعجم العربي اتساعًا كبيرًا، وهو في حقيقته حاصل جمع لهجات، أخذ من اختلاف الألسنة ومن مختلف اللهجات، فضم كله إلى معجم العربية، وظهر على أنه مفردات هذه العربية، لعدم إفصاح علماء اللغة


١ الرافعي "١/ ١٩١".
٢ تاج العروس "٩/ ٢٣٨"، "سكن"، الإصابة "٤/ ٢٠٠ وما بعدها"، "رقم ١١٩٠"، الاستيعاب "٤/ ٢٠٠ وما بعدها"، "حاشية على الإصابة"، فجر الإسلام "٥٢"، جواد علي، تأريخ العرب قبل الإسلام "١/ ٢١٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>