للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سماعية سمعت من أبناء القبائل فجمعت، وهي لم تخضع لذلك لأحكام القياس والقواعد المألوفة.

ومن هذا القبيل بعض الجموع الملحقة بجمع المذكر السالم، مثل: أرضون، وأهلون، وعالمون، وسنون، ومئون، وعضون، وعزون، فهذه من بقايا قواعد قديمة، ترجع إلى لهجات، حين شرع علماء اللغة في تدوينها لم يفطنوا إلى تدوين اسم اللسان الذي نطق بها.

وطبيعي أن تكون العربية فقيرة في الألفاظ التي لا تدخل معانيها في ضمن حياة أهلها، كألفاظ الترف التي ينعم بها المنغمسون في الحضارة، والألفاظ المستعملة في الحكومات وفي أنواع الدواوين والصناعات وما شاكل ذلك مما يكون عند الحضر، ولا يألفه أهل الوبر، لعدم وجوده عندهم، ولكن العربية، إذا شعرت بالحاجة إليها، أو اضطرت إلى استعمالها، أخذ أهلها أسماءها عمن يعرفها، واستعملوها معربة أو بأصولها في لغتهم، ومن هنا كثر الدخيل في العربية في الإسلام١.

وحيث أن للّغة دلالة على طراز حياة الأمة وعلى مقدار درجة حياتها العقلية، نجد العربية غنية غنى مفرطًا في الحدود التي رسمتها لهم بيئتهم، فهم أغنياء في الجمل، يعرفون كل جزء منه، وقد وضعوا ألفاظًا لكل عضو من أعضائه مهما دق فيه. وهم أغنياء فيما يتعلق بالصحراء وفي المطر، وفي كل شيء يتصل بحياتهم، فهي من هنا لغة تمثل عقلية المتكلمين بها، غلبت مصطلحات البداوة فيها على مصطلحات الحضارة، سنة كل أمة تكون حياتها على هذا النمط من المعيشة.

وليست اللغة العربية غنية بمفرداتها فحسب، بل بقواعد نحوها وصرفها أيضًا، فجموع التكسير وأحيانًا الأفعال كثيرة كثرة زائدة عن الحاجة٢. وهي "غنية باشتقاقها وتصريف كلماتها، فوضع صيغة فعلية لكل زمن، والمشتقات العديدة للدلالة على أنواع مختلفة من المعاني والأشخاص، كل هذا يشعرنا شعورًا تامًّا بغنى اللغة وصلاحيتها للبقاء"٣.


١ فجر الإسلام "٥٥".
٢ فجر الإسلام "٥٤".
٣ فجر الإسلام "٥٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>