للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مساكن له، فأقام فيها قبل الميلاد بأمد طويل, لا نستطيع تقدير زمانه، واتخذ بعضها معابد ومواضع مقدسة وأماكن للخلوة والتأمل الروحي والعبادة، وبعضها مقابر يودع فيها أجداث آبائه وأجداده وأهله، ولكن أكثر هذه الكهوف قد عبث بها الزمن وعبثت بها أيدي الإنسان, أكثر من عبث الطبيعة بها؛ فانتزعت منها ما نبحث الآن عنه من بقايا عظام, وتركات سكنى، وآثار فن، فحرمنا بذلك الوقوف على حياة الإنسان في جزيرة العرب في تلك الأيام.

وقد أشار الكتبة "الكلاسيكيون" إلى سكان الكهوف في بلاد العرب, وعثر السياح على بقايا تلك الكهوف التي كانت منازل ومساكن آهلة بالناس. ولا يزال الناس يسكنون الكهوف في حضرموت وفي مواضع أخرى من جزيرة العرب١, وقد يكون من بينها كهوف كانت منازل الأجداد النازلين اليوم بها منذ آلاف من السنين.

ولما كانت زيارات السياح لهذه الكهوف زيارات سريعة خاطفة، لم يتعمق السائحون فيها في داخل الكهف، ولم تتناول ما على جدر الكهوف من رسول أو زخارف، وقد يأتي يوم يعثر فيه الباحثون على كنوز من فن سكان الكهوف، ومن مخلفات لهم وعظام تكدست تحت أطباق الثرى، نستخرج منها وصفًا لحياة الإنسان في تلك المناطق من جزيرة العرب، وقد تفيدنا في دراسة الصلات والعلاقات التي كانت بين أهل الجزيرة وبين بقية أنحاء العالم في تلك العهود السحيقة.

فيتبين من هذه الآثار القليلة أن بلاد العرب كانت مأهولة بالناس منذ العصور "الباليوثية" "Palaeolithic"، أي العهود الحجرية المتقدمة، وأن من أقدم الآثار التي عثر عليها آثارًا من أيام العصور المعروفة بـ"Chellian" بين علماء الآثار، أي: الأدوار الأولى من أدوار حضارة العصر الحجري، وأنه قد عثر على أدوات من الصوان في الربع الخالي وفي حضرموت من عهد الـ"Neolithic" والعصور "البرونزية", وعثر على أدوات من الصوان من عصور الـ"Chalcolithic" هي من النوع الذي عثر عليه في جنوب فلسطين٢.


١ van der meulen, aden to the hadhramaut, p. ١٢٠, ٢٠٠, ٢٠٨
٢ naval. P. ٢١٣

<<  <  ج: ص:  >  >>