للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"عدنان" لم يكن معروفًا في الجاهلية، وربما ظهر قبيل الإسلام، ولهذا فلا يعقل أن تكون العربية، عربية العدنانيين.

إذن، فهل هي عربية مضر؟ فقد ورد في الأخبار أن "عمر بن الخطاب"، "لما أراد أن يكتب الإمام، أقعد له نفرًا من أصحابه، وقال: إذا اختلفتم في اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإن القرآن نزل بلغة رجل من مضر"١، ونجد أهل الأخبار يذكرون أنه قال: "لا يملين في مصاحفنا هذه إلا غلمان قريش، أو غلمان ثقيف"٢. وليس بين الخبرين تناقض، لأن قريشًا من مضر، فيمكن حمل الخبرين على أنهما قصدا شيئًا واحدًا، هو أن القرآن نزل بلسان قريش، وقريش من مضر، ولكن مضر قبائل عديدة، سبق أن تحدثت عنها في الجزء الأول من هذا الكتاب، فيجب أن يكون نزول القرآن إذن بلغات هذه القبائل على هذا التفسير، وتكون العربية الفصحى إذن عربية "مضر"، أي: عربية القبائل التي يرجع أهل الأخبار نسبها إلى "مضر"، أو حلف مضر بتعبير علمي أصح، وليست عربية جماعة معينة منها، مثل قريش.

ولكن أهل الأنساب، يجعلون لمضر أخًا هو "ربيعة"، وأخوين آخرين، هما "إياد" و"أنمار" على رأي من جعل "أنمارًا" ابنًا من أبناء نزار، فما هو حال لسانهم؟ هل يعد لسانهم لسان مضر، أم كانت لهم ألسنة أخرى؟ أما النصوص الجاهلية، فلا جواب فيها على هذا السؤال؛ لأنها لا تعرف عن لسان هؤلاء الأخوة شيئًا، ولم يرد فيها أي شيء من أسمائهم وأسماء قبائلهم، ثم إن هذه القبائل لم تترك لنا كتابة نستنبط منها شيئًا عنهم، إذن فنحن لا نستطيع أن نتحدث عنهم ولا عن لسانهم بأي شيء يستند إلى دليل جاهلي مكتوب. وأما الموارد الإسلامية، فتجعل لسانهم لسان مضر، وكيف لا تجعل لسانهم مثل لسان مضر، وهم أخوة من أب واحد. فإذا قلنا: إن لسان مضر، هو اللسان العربي الفصيح، وجب علينا القول بأن لسان إخوته كان مثل لسانه، وإذن فاللسان العربي الفصيح، هو لسان هذه المجموعة المكونة من ولد "نزار" وهي من ولد إسماعيل في النهاية على رأي أهل النسب والأخبار.


١ ابن كثير، فضائل القرآن "٢٠".
٢ ابن كثير، فضائل "٢٠"، المزهر "١/ ٢١١".

<<  <  ج: ص:  >  >>