للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألسنة ثانوية بعده، تعدّ دون اللغة المذكورة في الرتبة والمنزلة والفصاحة، كما حدث في الإسلام، حيث اعتبر اللسان العربي الذي نزل به القرآن الكريم، لسان الإسلام والمسلمين، لسان الدين والدولة، به تكتب دواوين الدولة، وبه يؤلف العلماء ويكتب الأدباء، وينظم الشعراء، وبموجب قواعده المقررة يتعلم اللسان كيفية الكتابة والنطق، من خالفها أو أخذ بألفاظ خارجة على قواعد نحوها وصرفها عدّ عاميًّا جلفًا من سواد الناس وسوقتهم.

ومدار الفصاحة في نظر علماء العربية كثرة استعمال العرب للكلمة. سئل "أبا عمرو بن العلاء": "كيف تصنع فيما خالفتك فيه العرب وهم حجة؟ فقال: أحملُ على الأكثر، واسمي ما خالفني لغات. فما أكثرت العرب من استعماله من غيره، فهو فصيح. وأما الفصاحة في المفرد: فخلوصه من تنافر الحروف، ومن الغرابة، ومن مخالفة القياس اللغوي. والتنافر ما تكون الكلمة بسببه متناهية في الثقل على اللسان وعُسر النطق بها، مثل "الهعخ" و"مستشزر"١.

والغرابة أن تكون الكلمة وحشية لا يظهر معناها، فيحتاج في معرفتها إلى أن ينقر عنها في كتب اللغة، أو أن تكون قليلة الاستعمال، وأضاف بعضهم إلى ما تقدم: ألا تكون الكلمة مبتذلة٢. وآراء أخرى لا مجال للبحث عنها في هذا الكتاب، لعدم وجود مكان في حدوده.

وقد وضعت هذه الحدود في الإسلام، أما ما قبله فلا علم لنا برأي الجاهليين في الفصاحة وفي الفصيح، ولكننا نستطيع بالقياس إلى ما عندنا من كتابات، أن نقول: إن العرب الجنوبيين كانوا يدونون بلهجاتهم المعروفة، وهي: المعينية والسبئية والحضرمية والقتبانية، وفقًا لقواعد لهجاتهم وبألفاظهم، فهي بالنسبة لهم لغاتهم الفصيحة، لغة التدوين والكلام، ولما قضى السبئيون على استقلال حكومات معين وحضرموت وقتبان وأوسان، وتكونت منها حكومة واحدة، ضعفت الخصائص اللغوية التي ميزت لهجات هذه القبائل بعضها عن بعض، واندمجت


١ من قول امرئ القيس:
غدائره مستشزرات إلى العلا
المزهر "١/ ١٨٥".
٢ المزهر "١/ ١٨٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>