للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غاية مالك في ذلك أن تتخير إحداهما فتقويها على أختها، وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها، وأشد نسبًا بها، فأما رد إحداهما بالأخرى فلا"١.

أعود الآن فأكرر ما سبق أن قلته من أننا اليوم في حاجة ماسة، إلى وجوب تسجيل كل ما أورده علماء اللغة عن لغات العرب ولهجاتها، فصيحة كانت تلك اللغة أو رديئة، ولا سيما في الأمور التي شذت فيها هذه اللهجات بعضها عن بعض، في الشعر أو في النثر، تسجيل كل الأسماء الجاهلية التي عرف بها العرب قبل الإسلام، مع بيان أسماء الرجال الذين تسمّوا بها وأسماء القبائل التي هم منها، والمواضع التي كانوا بها، لنتعرف بذلك على أصول هذه القبائل، والأماكن التي جاءت منها، والثر الذي تأثرت به من القبائل المجاورة لها، فنحن نعرف اليوم، أن أهل العربية الجنوبية، كانت لهم أسماء وردت في المسند لم تكن شائعة بين العرب الشماليين، وقد كانت خاصة بهم، ثم نعرف اليوم أن الأسماء الواردة في النصوص العربية الجنوبية المتأخرة المقاربة للإسلام، اختلفت بعض الاختلاف عن الأسماء القديمة المركبة المضافة، مما يدل على وقوع تغير في الذوق اللغوي عند العرب الجنوبيين قبيل الإسلام، وعلى الميل إلى اختزال الأسماء وتبسيطها، على نحو ما كان عند العرب الشماليين، ومثل هذه الدراسة، تكون ذات قيمة كبيرة في الوقوف على التطورات السياسية والثقافية والاجتماعية التي مرت على جزيرة العرب قبيل ظهور الإسلام، وهذا التغير الذي أشير إليه هو شيء طبيعي، وقع قبل الإسلام، كما وقع في الإسلام، فقد ماتت الأسماء الجاهلية، مثل "امرؤ القيس"، و"معدي كرب"، "شرحبيل"، و"شرحئيل"، و"عبد عوف"، و"عبد مناة"، و"عبد أسد"، في الإسلام، وحلت محلها أسماء إسلامية، وماتت ألفاظ جاهلية، بسبب إماتة الإسلام لها، أو إعراضه عن استعمالها، أو بسبب تغير الذوق، فلم تعد تصلح للاستعمال، وولدت ألفاظ إسلامية لم تكن معروفة عند الجاهليين، ونشأت معان جديدة لألفاظ جاهلية قديمة لم تكن تعبر عن هذه المعاني قبل الإسلام.

كذلك، نحن في حاجة إلى تدوين شعر الشعراء على حسب القبائل التي ينتمي إليها قالة الشعر، لنتمكن بذلك من دراسة خصائص شعر كل قبيلة، وما ورد


١ المزهر "١/ ٢٥٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>