للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القرآن الكريم في إثبات القواعد الكلية١.

وإذا كان هذا موقف ذاكرة الصحابة من كتاب الله ومن حديث رسوله، فهل يعقل أن تكون حافظتهم أقوى وأشد حفظًا وأكثر دقة في رواية كلام هو دون كلام الله وكلام رسوله، فنصدق قول من قال: إن "سلمة بن غيلان" الثقفي مثلًا دخل في ناس من العرب على كسرى، فطُرح لهم مخادُّ عليها صورته، فوضعوها تحتهم، إلا سلمة بن غيلان فإنه وضعها على رأسه، فقال له: ما صنعت؟ قال: ليس حق ما عليه صورة الملك أن يبتذل، وما أجد في جسدي عضوًا لا أكرم ولا أرفع من رأسي فجعلتها فوقه. فقال له: ما أكلك؟ فقال: الحِنطة. فقال: هذا عقل الحنطة٢. أو أن نصدق بكلم وفد "طي" إلى "سواد بن قارب" الدوسي، وامتحانهم إياه، ثم جوابه المسجع على سجعهم٣، أو كلام الكاهنة "عفيراء" الحميرية٤، أو كلام "ابنة الخس"٥، أو كلام "عبد المطلب"، وغيره من سادات قريش مع تبابعة اليمن وحكامها الحبش، وهو كلام مضبوط بالحروف والكلمات، ترويه كتب أهل الأخبار على أنه كلام صحيح صادق، لم ينله تغيير ولا اعتراه تبديل، وكأنه قد سجل على شريط "تسجيل"، أو على أسطوانة، لم تلعب بها يد إنسان.

جاء في "لسان العرب": "قيل لسيدنا محمد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، الأمي لأن أمة العرب لم تكن تكتب ولا تقرأ المكتوب، وبعثه الله رسولًا وهو لا يكتب ولا يقرأ من كتاب، وكانت هذه الخلة إحدى آياته المعجزة، لأنه، صلى الله عليه وسلم، تلا عليهم كتاب الله منظومًا، تارة بعد أخرى، بالنظم الذي أنزل عليه فلم يغيره ولم يبدل ألفاظه، وكان الخطيب من العرب، إذا ارتجل خطبة ثم أعاده زاد فيها ونقص"٦، فإذا كان هذا شأن الخطيب،


١ الخزانة "١/ ٥".
٢ المصون "١٩٨".
٣ بلوغ الأرب "٣/ ٢٩٩ وما بعدها".
٤ بلوغ الأرب "٣/ ٢٩٦".
٥ في جملة كتب "ثعلب": كتاب: تفسير كلام ابنة الخس، الفهرست "١١٧"، "الفن الثاني من المقالة الثانية من كتاب الفهرست في أخبار العلماء".
٦ اللسان "١٢/ ٣٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>