للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله، صلى الله عليه وسلم: "إنما هذا من إخوان الكهان، من أجل سجعه الذي سجع" ١.

قال الجاحظ في معرض كلامه على السجع وقول الرسول: "أسجع كسجع الجاهلية"٢. "وكان الذي كره الأسجاعَ بعينها وإن كانت دون الشعر في التكلف والصنعة، أن كهان العرب الذين كان أكثر الجاهلية يتحاكمون إليهم، وكانوا يدّعون الكهانة، وأن مع كل واحد منهم رئيًا من الجن، مثل حازي جهينة، ومثل شقّ وسطيح، وعُزى سَلمَة، وأشباههم: كانوا يتكهنون، ويحكمون بالأسجاع، كقول بعضهم: والأرض والسماء والعُقاب الصقعاء، واقعة بيقعاء، لقد نفر المجد بني العُشراء، للمجد والسناء.

وهذا الباب كثير. ألا ترى أن ضمرة بن ضمرة، وهرم بن قطبة، والأقرع بن حابس، ونفيل بن عبد العزى، كانوا يحكمون، وينفرون بالأسجاع؟ وكذلك ربيعة بن حذار.

قالوا: فوقع النهيُ في ذلك الدهر، لقرب عهدهم بالجاهلية، ولبقيتها في صدور كثير منهم، فلما زالت العلة، زال التحريم.

وقد كانت الخطباء تتكلم عند الخلفاء الراشدين، فيكون في تلك الخُطب أسجاع كثيرة فلا ينهونهم٣.

وقد كان الكهّان حكّامًا كذلك، يفصلون في الخصومات بين الناس. يأتي إليهم المتخاصمون، وبعد أن يؤكدوا لهم رضاهم وقناعتهم بحكمهم، يحكمون بينهم فيما يرونه. وينسب الناس إلى الكهان إدراك الغيب برئي يأتي إليهم فيلقي لهم بما يراه، ويعلمهم من المغيبات عما يسألون، ولذلك ورد: أن الكهانة هي ادعاء علم الغيب، كالإخبار بما سيقع، وورد: الكاهن القاضي بالغيب، وكل من أدل بشيء قبل وقوعه٤.


١ شرح الإمام النووي على صحيح مسلم "٧/ ١٩٦"، "حاشية على إرشاد الساري"، صحيح مسلم "٥/ ١١٠".
٢ البيان والتبيين "١/ ٢٨٧"، "لجنة".
٣ البيان "١/ ٢٨٩ وما بعدها" "لجنة"، "١/ ٢٢٩"، "عبد السلام هارون".
٤ بلوغ الأرب "٣/ ٢٦٩".

<<  <  ج: ص:  >  >>