لولا: أن تجيش نفس جاشية، لأخبرتُكم أنه حجر ضاحية. فركبوا كل صعب وذلول فما أشرق لهم النهار حتى أتوا على عسكر حُجر فهجموا على قبته"١.
وهذا "خنافر بن التوءم" الحميري الكاهن، وكان قد أوتي بسطة في الجسم، وسعة في المال، وكان عاتيًا، يأتيه "رئيه" بعد غيبة طويلة، فيقول: "خُنافر" فيجيبه: "شصار؟ "، فقال: "اسمع أقل"، قال خنافر: قل أسمع، فقال: عه تغنم، لكل مدة نهاية، وكل ذي أمد إلى غاية. قال خنافر: أجل، فقال: كل دولة إلى أجل، ثم يتاح لها حول، انتسخت النِّحَل، ورجعت إلى حقائقها الملل، إنك سجير موصول، والنصح لك مبذول، وإني آنست بأرض الشأم، نفرًا من آل العُذام، حكامًا على الحكام، يذبرون ذا رونق من الكلام، ليس بالشعر المؤلف، ولا السجع المتكلف، فأصغيت فزجرت، فعاودت فظلفت، فقلت: بمَ تهيمنون، وإلام تعترون؟ قالوا: خطابٌ كبار، جاء من عند الملك الجبار، فاسمع يا شصار، عن أصدق الأخبار، واسلك أوضح الآثار، تنج من أوار النار، قلت: وما هذا الكلام؟ فقالوا: فرقان بين الكفر والإيمان، رسول من مضر، من أهل المدر، ابتُعث فظهر، فجاء بقول قد بهر، وأوضح نهجًا قد دَثَر، فيه مواعظ لمن اعتبر، ومعاذ لمن ازدجر، ألف بالآي الكبر، قلت: ومن هذا المبعوث من مضر؟ قال: أحمد خير البشر، فإن آمنت أعطيت الشبر، وإن خالفت أصليت سقر، فآمنت يا خنافر، وأقبلت إليك أبادر، فجانب كل كافر، وشابع كل مؤمن طاهر، وإلا فهو الفراق، لا عن تلاق، قلت: من أين أبغي هذا الدين؟ قال: من ذات الإحرَّين، والنفر اليمانين، أهل الماء والطين، قلت: أوضح، قال: الحق يثرب ذات النخل، والحرة ذات النعل، فهناك أهل الطول والفضل، والمواساة والبذل، ثم أملس عني. فبت مذعورًا أراعي الصباح، فلما برق لي النور امتطيت راحلتي، وآذنت أعبدي، واحتملت بأهلي حتى وردت الجوف، فرددت الإبل على أربابها بحولها وسقابها، وأقبلت أريد صنعاء، فأصبت بها معاذ بن جبل أميرًا لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، فبايعته على الإسلام وعلّمني سورًا من القرآن، فمن الله علي بالهدى بعد الضلالة، والعلم بعد الجهالة".