للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفاحش في قراءة الآية أَمَر "أن لا يقرأ القرآن إلا من يحسن العربية"، ومن وصيته بأخذ الناس بالعربية، ومن قوله أيضًا: "تعلموا الفرائض والسنن واللحن كما تعلمون القرآن"، و"تعلموا اللحن في القرآن كما تتعلمونه، يريد تعلموا لغة العرب في القرآن"، أو "تعلموا اللحن والفرائض فإنه من دينكم"١.

فلم يكن خطأ "الأعرابي" هو خطأ في كيفية إخراج الحروف من مخارجها، ولا في كيفية الإفصاح وإبانة الكلم، وإنما في جره رسوله، وتوهمه عطفها على المشركين، مما أخرج الآية إلى عكس ما أراده الله منها. أي غلطه في اللغة، ولهذا فزع الخليفة فحثَّ الناس على تعلم العربية، لتكون دليلا لمن يتعلمها وهاديًا له في صون لسانه من الوقوع في الخطأ، وفي هذا الحث دلالة على وجود علم سابق عند العرب بكيفية حفظ الألسنة من الوقوع في الخطأ ومجانبة القواعد العامة. ويعود هذا العلم إلى ما قبل الإسلام.

أضف إلى ذلك ما ذكرته سابقًا من قول عمر: "أما بعد: فتفقهوا في الدين، وتعلموا السنة، وتفهموا العربية، وتعلموا طعن الدرية، وأحسنوا عبارة الرؤيا، وليعلم أبو الأسود أهل البصرة الإعراب"٢. فإذا صح هذا الخبر دل على وجود الإعراب في زمن عمر، وعلى أن المراد من الإعراب الذي كلف "أبا الأسود" أن يعلم أهل البصرة به، هو النحو، أي قواعد صيانة اللسان من الوقوع في الخطأ في الكلام.

ولو تساهلنا فأخذنا "العربية" الواردة في قول "عمر" وغيره بالمعنى اللُّغوي الظاهر في اللفظة، وهو الإفصاح والإبانة وإخراج الكلم حسب أصول النطق عند العرب، فإن هذا المحمل يحملنا على الذهاب إلى وجود علم سابق، كان الناس يراعونه ويسيرون بمقتضى اعتباراته وقواعده في كيفية النطق بالكلم، ويسمونه: العربية.

ويتبين مما ذكره أهل الأخبار من أن "أبا الأسود" "كان أول من وضع العربية"٣، أن مرادهم من العربية المذكورة هذه العلامات التى تدل على الرفع


١ اللسان "١٣/ ٣٨١"، "لحن"، صبح الأعشى "١/ ١٤٨".
٢ القفطي، إنباه "١/ ١٦"، خورشيد أحمد فارق "١٣٩".
٣ المعارف "٤٣٤"، الصاحبي "٣٧".

<<  <  ج: ص:  >  >>