للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاضرب كاتبك سوطًا واحدًا، وأخر عطاءه سنة"١: أو "إذا أتاك كتابي هذا، فاجلده سوطًا واعزله عن عملك"٢، أو "قنع كاتبك سوطًا"٣، أو: "إن كاتبك الذي كتب إلى لحن، فاضربه سوطًا"٤، وذكر "الجاحظ"، أن "الحصين بن أبي الحر" كتب إلى "عمر" كتابًا "فلحن في حرف منه، فكتب إليه عمر: أن قنع كاتبك سوطًا".

وسبب ذلك أنهم كانوا يرون أن اللحن عيب مشين. قال "عبد الملك بن مروان": اللحن هجنة على الشريف، والعُجْب آفة الرأي. وكان يقال: اللحن في المنطق أقبح من آثار الجدري في الوجه"٥.

ولا يمكن تفسير قول القائل أن "اللحن بمعنى الخطأ محدث، لم يكن في العرب العاربة الذين تكلموا بطباعهم السليمة"٦، إلا أن يكون مراده أن الجاهليين كانوا يتكلمون بطباعهم السليمة بلغاتهم، كل يتكلم بلغته، ووفق سجيته ولسانه الذي أخذه من بيته، فهو ينطق وفق ما سمع وحفظ، فلا يلحن في الكلام بلسانه الذي أخذه من أهله، وهو رأي أقول إنه على الجملة مقبول معقول. أما إذ أريد به، أن العرب كانوا جميعًا يتكلمون بلسان واحد، فلا يخطئ أحدهم فيه ولا يلحن، فإن ذلك يتعارض مع قولهم بوجود اللغات، وبأن تلك اللغات كانت تتباين في أمور كثيرة في جملتها قواعد في النحو والإعراب، كما في "ذي" الطائية، وفي إعراب المثنى بالألف مطلقًا، رفعًا ونصبًا وجرًّا وذلك في لغة "بلحرث" و "خثعم" و "كنانة"، فيقولون: جاء الرجلان، ورأيت الرجلان، ومررت بالرجلان٧، وكما في "كم" الخبرية، حيث ينصب "بنو تميم" تمييز "كم"، ولغة غيرهم وجوب جره وجواز إفراده وجمعه، وكما في إعراب "الذين" من أسماء الموصول إعراب جمع المذكر السالم في لغة


١ مراتب النحْويين "٦"، الرافعي "١/ ٢٤٣".
٢ كنز العمال "٥/ ٢٢٤"، حضرت عمر "١٣٧"، "القسم العربي".
٣ أدب الكتاب، للصولي "١٢٩"، حضرت عمر "١٣٨".
٤ حضرت عمر "١٣٨".
٥ البيان والتبيين "٢/ ٢١٦".
٦ ابن فارس، معجم مقاييس اللغة "٥/ ٢٣٩".
٧ الرافعي، تأريخ آداب العرب "١/ ١٤٤ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>