للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه ما هم عليه، فإن سمعت من آخر مثل ما أجزته، فأنت فيه مخير، تستعمل أيهما شئت، فإن صح عندك أن العرب لم تنطق بقياسك أنت كنت على ما أجمعوا عليه البتة وأعددت ما كان قياسك أداك إليه لشاعر مولد، أو لساجع، أو الضرورة، لأنه على قياس كلامهم"١.

والإجماع أن النحو لم يجمع ولم يرتب ترتيبًا علميًّا إلا في الإسلام، وإلا في أيام العباسيين، حيث أظهر علماء العربية نشاطًا عظيمًا في تتبع القواعد واستنباطها من المظان التي أشرت إليها. وقد استقر وثبت، بعد أخذٍ وردٍّ بين علمائه في المسائل الفرعية التي أثارت الاختلاف فيما بينهم، فكانت ردود وتخطئة بعض منهم لبعض، ثم استقر في كتب تمثل اليوم ثروة قيمة تقدر في هذه اللغة الواسعة الثرية بألفاظها وبقواعدها.

ولا بد في نظري لمن يريد فهم النحو العربي فهمًا صحيحًا واضحًا، من دراسة نحو اللغات الجاهلية من عربية جنوبية ومن ثمودية ولحيانية وصفوية ونبطية،

لأنها وإن فارقت العربية القرآنية في أمور إلا أنها عربية في النهاية، ودراستها

تفيدنا فائدة كبيرة في الوقوف على تأريخ تطور عربيتنا والعربيات البعيدة عن الإسلام، وهي كما نعلم من أقدم اللهجات العربية التي أفادتنا في تقديم كتابات مدونة في تلك الأيام، يعود تأريخ بعض منها إلى ما قبل الميلاد. وقد تحدثت عن نحو اللهجات العربية الجاهلية وعن أمور من صرفها في الجزء السابع من كتابي الأول المعروف بتأريخ العرب قبل الإسلام، المطبوع ببغداد.

هذا وقد عثر حديثًا على آثار في إمارة أبي ظبي وفي مواضع أخرى من سواحل الخليج، قد تقدم لنا علمًا جديدًا عن لهجات عربية قديمة لا نعرف اليوم من أمرها شيئًا، وبذلك يتسع علمنا عن لهجات العرب قبل الإسلام، وقد نستطيع بواسطتها الوقوف على كيفية تطور اللغة العربية القرآنية وعلى حصر المواضع التي كان سكانها يتكلمون بها، أو بلهجات قريبة منها.

بل أرى ضرورة دراسة اللغات السامية للاستفادة من هذه الدراسة المقارنة في فهم خصائص اللغة العربية ولحل بعض مشاكلها في النحو والصرف والألفاظ. وقد بذل المستشرقون -والحق يقال- جهودًا يشكرون عليها في دراسة هذه اللغات دراسة مقارنة. ولدينا اليوم مؤلفات كثيرة في هذه الدراسة، تعرضت


١ الخصائص "١/ ١٢٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>