للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كتاب ألَّفَهُ الدكتور طه حسين في العربية بعنوان: "في الأدب العربي". وقد رد عليه أدباء عديدون في مصر وغيرها من البلاد العربية الأخرى. وقد أوضح الدكتور في كتابه العوامل التي حملته على تكوين رأيه المذكور في الأدب الجاهلي.

وليس مرجع هذا الاختلاف هو في حقيقة وجود شعر جاهلي أصلا، أو في عدم وجوده. فوجود شعر للجاهليين، حقيقة لا يُشَك فيها أبدًا، لأن الجاهليين هم مثل سائر الناس، لهم حسٌّ ولهم شعور، وما دام الحسّ موجودًا، فلا بد أن يظهر على شكل شعر أو نثر. وإنما الاختلاف هو في هذا الشعر المروي لنا، والمدون في بطون الكتب. هل هو جاهلي حقًّا، أو هو منحول فاسد محمول على الجاهليين؟ أو وسط بَيْنَ بَيْن، وفي كمية الصحيح منه، بالنسبة إلى مقدار الفاسد منه؟ هذا موضع الاختلاف بين العلماء.

وقد وصف القديس "نيلوس" المتوى حوالي السنة ٤٣٠ للميلاد غارة بدوية على دير سيناء، وقعت سنة٤١٠م، وتحدث عن تغني الأعراب بأشعارهم وهم يستقون الماء١. كما أشار المؤرخ "سوزيموس" إلى تغني العرب بأشعارهم وذلك في المعارك التي وقعت بينهم وبين الروم في حوالي سنة "٤٤٠م"، وهي أغانٍ تشبه الأشعار التي كان يتغنى بها الأعراب في حروبهم وغزواتهم، مثل يوم ذي قار٢، والمعارك التي وقعت في فتوح العراق والشأم. ولا زال الأعراب يترنمون بالشعر عند غزوهم بعضهم، لأن الشعر عندهم سلاح مهم من أسلحة القتل.

ثم إن شعر المخضرمين، هو في حدِّ ذاته دليل على وجود شعر سابق جاهلي، فشعر مثل هذا لا يمكن أن يكون قد ظهر فجأة من غير شعر سابق ومن غير شعراء ماضين مهدوا الجادة لمن جاء بعدهم ووضعوا لهم البحور المعروفة، وقد وجدها المخضرمون، فنظموا عليها.

وفي القرآن الكريم سورة تسمَّى "سورة الشعراء"٣، وهي تدل على كثرة الشعراء، وعلى تأثر الناس بهم، وعلى تأثير شعرهم في النفوس وتلاعبه بأفئدة


١ غرونباوم "١٣٣".
٢ غروبناوم "١٣٤". Die araber, II,s, ٣٣٠.
٣ رقم السورة "٢٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>