ولم نسمع أن أحدًا من الشعراء حكم في الشعر في سوق عكاظ قبل "النابغة" ولا بعده، وسوق عكاظ سوق لم تقم إلا قبيل الإسلام، ولعل هذا التحكيم من القصص الذي أوجده أهل الأخبار، وقد يكون "النابغة" قد نظر حقًّا في شعر "حسان"، ولكن ذلك لا يمكن أن يعد حكومة دائمة لسوق عكاظ، اختصاصها النظر والتحكيم في شعر الشعراء الجاهليين، وإذا كان "النابغة" حاكم سوق عكاظ حقًّا، فلم لم نسمع بأحكام أخرى له في حق شعر شعراء آخرين، ما دام كان يحضرها في كل عام، وتضرب له قبة من أدم، يجعلها مقرًّا له ولحكومته، ولمن يحضر إليه من الشعراء رجاء النظر في شعره.
وذكر أن القبائل كانت تَفِد إلى "عكاظ" وتبحث عن مختلف الأشياء وتتداول أشياء قبيحة أو محمودة، وأن الرسول حضرها، للدعوة إلى الإسلام١.
ولم نسمع بأن الشعراء كانوا يتوافدون إلى مكة موسم الحج، لإنشاد شعرهم، على نحو ما ذكر عن سوق عكاظ، مع أن موسم الحج من المواسم المعهودة بالنسبة إلى قريش وإلى من كان يعيش حولها من قبائل، وشرف إلقاء الشعر في موسم الحج أسمى ولا شك من شرف إلقائه بسوق عكاظ وفي الأسواق الأخرى، فلو كان الشعراء كما زعم أهل الأخبار يقيمون وزنًا كبيرًا لحكم قريش في أشعارهم، فلم لا نجد في أخبارهم خبرًا يشير إلى تجمع الشعراء في مكة للتباري في إنشاد الشعر وفي الحصول على شرف التقدير والتقييم من قريش، ليتباهى الفائز بالتقدير على سائر أقرانه الشعراء؟ ثم لِمَ لَمْ نسمع بأسماء القصائد التي نالت منهم شرف التقدير والتعظيم، خلا المعلقات السبع، التي شك في صحة تعليقها حتى المحافظين من أمثال المرحوم "الرافعي"!
١ التأريخ الكبير "١/ ٣٢٣"، البداية والنهاية "٣/ ١٤١"، معجم البلدان "٣/ ٧٠٤"، الأغاني "١١/ ٦"، المرزوقي، شرح ديوان الحماسة "٣/ ١٥١٤ وما بعدها"، "القاهرة ١٩٥٢".