للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس هذا الشيطان الذي تصوره الجاهليون، يلهم الشعراء وحيهم ويلقي إليهم الشعر إلقاء بقذفه في قلوبهم، ليخرج على ألسنتهم، هو من وحي الجاهليين ومن تخيلاتهم وتخرصاتهم وحدهم، بل هو شيء معروف عند غيرهم أيضًا. فقد تصور اليونان أن للشعر آلهة تقذف الشعر في نفوس الشعراء، فينطلق على ألسنتهم١. والرئي الذي يوحي إلى الكاهن علمه بالكهانة، هو ضرب من هذه الشياطين التي تخيلوها للشعراء، فبفضل الرئي يقول الكاهن سجعه لمن يطلب منه أن يتكهن عن أمر سأله عنه، وهو يجيب السائل بما يلقيه رئية عليه، يلقيه سجعًا، أما شيطان الشاعر، فيلقيه على شاعره شعرًا، ومن هنا وقع الفرق بين قول الشاعر وبين قول الكاهن.

وكانوا يسمون الشعراء كلاب الحي، وهم الذين ينبحون دونهم، ويحمون أعراضهم. وفي ذلك يقول عمرو بن كلثوم:

وقد هرَّت كلاب الحي منَّا ... وشذبنا قتادة من يلينا٢

وأما كلاب الجن، فشعراؤهم، وهم الذين ينبحون دونهم ويحمون أعراضهم٣.


١ B. Snell, Die Entdeckung des Geistes, Hamburg, ١٩٤٦, S. ١١٧. ff.
٢ الحيوان "١/ ٣٥٠".
٣ الرافعي، تأريخ آداب العرب "٣/ ٥٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>