للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعيرت، فحطَّ الشعر بعضًا منهم بموافقة الحقيقة، ومضى صفحًا عن الآخرين لما لم يوافق الحقيقة، ولا صادف موضع الرمية.

فمن الذين لم يُحْكَ فيهم هجاء إلا قليلا على كثرة ما قيل فيهم: تميم بن مُرَّة، وبكر بن وائل، وأسد بن خزيمة، ونظراؤهم من قبائل اليمن.

ومن الذين شقوا بالهجاء، ومزقوا كل مُمَزَّق -على تقدمهم في الشجاعة والفضل- أحياء من قيس: نحو غنى وباهلة، ونحو محارب بن خصفة بن قيس عيلان، وجسر بن محارب، "ومن ولد طابخة بن إلياس بن مضر: تيم وعُكَل ابنا عبد مناة، بن أد، "وعدي بن عبد مناة"، كانوا قطينًا لحاجب بن زرارة، وأراد أن يستملكهم ملك رق بسجل من قبل المنذر، والحبطات". ولم تمدح قبيلة قط في الجاهلية من قريش كما مدحت مخزوم١.

وقد تعرض الجاحظ لهجاء الشعراء للأشراف، فقال: "وإذا بلغ السيد في السؤدد الكمال، حسده من الأشراف من يظن أنه الأحق به، وفخرت به عشيرته، فلا يزال سفيه من شعراء تلك القبائل قد غاظه ارتفاعه على مرتبة سيد عشيرته فهجاه. ومن طلب عيبًا وجده. فإن لم يجد عيبًا وجد بعض ما إذا ذكره، وجد من يغلظ فيه ويحمله عنه. ولذلك هُجي حِصن بن حذيفة، وهجي زُرَارة بن عدس، وهجي عبد الله بن جدعان، وهجي حاجب بن زرارة"٢.

فالحسد في نظر الجاحظ من جملة عوامل الهجاء. فالنباهة والشرف والظهور في المجتمع من العوامل التي تكون سببًا دافعًا إلى الهجاء، بسب داء الحسد، ولهذا أمن الخامل من هجاء الهجائين، وسلم من أن يضرب به المثل في قلة ونذالة وبخل، إذ ليس فيه ما يحمل الشاعر على النيل منه وعلى ما يغيظه، ولا يحسده حاسد، حتى يدفع الشاعر على التحرش به وهجائه. وقد هجيت قبائل بأقذع أنواع الهجاء مع ما لها من شرف وفضل ومكانة وخير عميم، بسبب حسد الحساد، وغيظ القبائل الضعيفة، أو التي لا خير فيها منها، فتحرَّش شعراؤها بها، ودفع الحسد الهجائين إلى هجائها، على كونهم من غمار الناس ومن الخاملين في الحسب والنسب٣.


١ العمدة "٢/ ١٨٢ وما بعدها".
٢ الحيوان "٢/ ٩٣".
٣ الحيوان "١/ ٣٥٧ وما بعدها".

<<  <  ج: ص:  >  >>