للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في سقف البيت، كما شبهوا الأسباب بالأسباب والأوتاد بالأوتاد، والفواصل بالفواصل١. وعلم العروض، هو علم الشعر والقافية، ويرادفه علم الوزن: وزن الشعر، ويدل اختلافهم الشديد في تعريفه على عدم وجود رأي واضح عند العلماء عن منشئه وعن كيفية ظهوره٢.

وعندي أن في اختلاف العلماء هذا الاختلاف الشديد في سبب تسمية العروض عروضًا، دلالة على أن اللفظة من الألفاظ التي كانت مستعملة قبل الإسلام، وأنها لم تكن من وضع "الخليل" وإنما كانت لفظة قديمة جاهلية قصد بها النظر في الشعر والبصر بدروبه وأبوابه وطرقه، فلو كانت الكلمة إسلامية ومن وضع "الخليل" لما وقع بينهم هذا الاختلاف، وما كان "الخليل" ليهمل السبب الذي حمله على اختيار هذه التسمية، ولسأله العلماء حتمًا عن السبب الذي جعله يسمي هذا العلم عروضًا، فقد عودنا العلماء، أنهم إذا وقفوا أمام أمر قديم جاهلي، وهم لا يعرفون من خبره شيئًا، جاءوا بآراء متباينة وبتعليلات مختلفة، لبيان العلل والأسباب. ولو كان العروض من العلوم أو المسميات التي وضعت في الإسلام، لما اختلفوا في تعريفه هذا الاختلاف، وفي اختلافهم هذا الاختلاف في تعريفه، دلالة على قدمه قياسًا على ما عرفناه عنهم، من اختلافهم في تفسير المصطلحات والمسميات القديمة.

وقد قال قوم في الإسلام لا حاجة إلى العروض، لأن من نظم بالعروض شق ذلك عليه وأتى به متكلفًا، ومن نظم بالطبع السليم والسليقة جاء شعره طبيعيًّا سليمًا٣. ولا بد وأن تكون هذه المعارضة قد ظهرت بعد ظهور علم العروض وتدوينه وتثبيت قواعده، ومحاولة العروضيين فرض سلطان قواعدهم على الشعر والشعراء، ولما كان الشعراء ينظمون الشعر بسليقتهم وفق عرفهم الذي ألفوه وتعودوا عليه، وعن طبع وموهبة فيهم، لم يحفلوا بالعروض، وصار العروض علمًا يحفظه من لا يقرض الشعر الرفيع العالي المنبعث عن شاعرية وعاطفة وهيجان خاطر، وصار شعر العروضي شعرًا متكلفًا في الغالب، لا يداني شعر الشعراء


١ نزهة الجليس "١/ ١١٥".
٢ Ency, Vol. i. p, ٤٦٣.
٣ نزهة الجليس "١/ ١١٦".

<<  <  ج: ص:  >  >>