للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يهلك كما هلك من قبله الشعراء زهير والنابغة، إنما هو كأحدهم"١. وفسر قوله تعالى: {وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ} ، بـ"ما هذا القرآن بقول شاعر، لأن محمدًا لا يحسن قيل الشعر فتقولوا هو شعر"٢،وقوله: {والشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ} ، "الغاوون الرواة"، وذكر أنهم في كل لغو يخوضون، وأن الله استثنى منهم شعراء المؤمنين٣.

وقد كره ناس الشعر لما ورد عنه في القرآن الكريم وفي الحديث، وامتنع بعض الشعراء من قوله كالذي ذكروه من ترك لبيد الشعر بعد دخلوه في الإسلام، ومن قوله للخليفة عمر أو لعامله على الكوفة، وقد سأله عما قاله من الشعر في الإسلام، "ما كنت لأقول شعرًا بعد إذ علمني الله سورة البقرة وآل عمران"٤. وأهمل بعض الصحابة رواية الشعر، لما فيها من تذكير بأمر الجاهلية وبأيامها، وأقبل آخرون على القرآن يحفظونه بدلا من الشعر الجاهلي ورأى آخرون أن في حفظه وفي إنشاده إثارة لنعرة الجاهلية بعد أن حرمها الله، كراهية وقوع الفتنة، وحدوث القتال كالذي كان يقع في الجاهلية، لا سيما ما يتعلق منه بالمدح وبالهجاء وبالأيام، ولهذا قال عمر لحسان بن ثابت يوم مرَّ به وهو ينشد الشعر بمسجد رسول الله: أرغاء كرغاء البكر؟ فقال حسان: دعني عنك يا عمر فوالله إنك لتعلم لقد كنت أنشد في هذا المسجد من هو خير منك فما يغيِّر علي ذلك، فقال عمر: صدقت"٥.

فهذا الشعر المفرق المسبب للقتن أو الثالب للأعراض، هو الشعر الذي كره الناس روايته أو نظمه، ولهذا كان عمر يحاسب الهجائين، فملا هجا الحطيئة الزبرقان بن بدر، وشكاه الزبرقان عليه، حكم عمر حسان بن ثابت فيه، فحكم عليه أنه "لم يهجه، ولكن سلح عليه"، فهو أشد إيلامًا من الهجاء، فحبسه عمر، وقال: "يا خبيث لأشغلنك عن أعراض المسلمين"٦،


١ تفسير الطبري "٢٧/ ٢٩".
٢ تفسير الطبري "٢٩/ ٤٢".
٣ تفسير الطبري "١٩/ ٧٩ وما بعدها"، الصاحبي "٢٧٣ وما بعدها".
٤ الشعر والشعراء "١/ ١٩٥ وما بعدها"، "الثقافة".
٥ العمدة "١/ ٢٨".
٦ الشعر والشعراء "١/ ٢٤٤"، "الحطيئة"، "قال: ذرق عليه"، ابن سلام، طبقات "٢٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>