للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عداد فحول الشعراء. والرواية هي تمرين وإعداد لقول الشعر، ولفهم دروبه، تساعد الموهوب في إظهار مواهبه. "فقد وجدنا الشاعر من المطبوعين المتقدمين يفضل أصحابه برواية الشعر، ومعرفة الأخبار، والتلمذة لمن فوقه من الشعراء، فيقولون: فلان شاعر راوية، يريدون أنه إذا كان راوية عرف المقاصد، وسهل عليه مأخذ الكلام، ولم يضق به المذهب، وإذا كان مطبوعًا لا علم له ولا رواية ضل واهتدى من حيث لا يعلم، وربما طلب المعنى فلم يصل إليه وهو مائل بين يديه، لضعف آلته كالمقْعَد يجد في نفسه القوة على النهوض فلا تعينه الآلة.

وقد سئل رؤبة بن العجاج عن الفحل من الشعر، فقال: هو الراوية، يريد أنه إذا روى استفحل.

قال يونس بن حبيب: وإنما ذلك لأنه يجمع إلى جيد شعره معرفة جيد غيره، فلا يحمل نفسه إلا على بصيرة. وقال الأصمعي: لا يصير الشاعر في قريض الشعر فحلا حتى يروي أشعار العرب"١

والشعراء جميعا، هم في أول أمرهم بالشعر رواة شعر، ولا يكون الشاعر منهم شاعرا حتى يحفظ الشعر ويرويه، لأن الحفظ يساعد على قول الشعر ونظمه، ويكون تمرينًا له، ولا زال أمر الشعراء عندنا على هذا النحو، فأكثر شعرائنا هذا اليوم هم رواة في الأصل، حفظوا من الشعر ما ساعدهم على النظم، يضاف عليه موهبة الشاعر وسليقته فيه. وقد يقال إن الشاعر الراوية أمكن في الشعر وأقدر عليه من الشاعر، الذي لا يروي من الشعر إلا يسيرًا، أو لا يحفظ منه شيئًا، لأن الشاعر الراوية يتعلم من فنون الأقدمين ومن خبرتهم وتجاربهم في النظم ما يخفى على من ليس له علم سابق به.


١ العمدة "١/ ١٩٧ وما بعدها"، "باب في آداب الشاعر".

<<  <  ج: ص:  >  >>