للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كان ليقع هذا الاختلاف لو كان الشعر قد ورد مدوَّنًا أولا ومَشْكُولا ثانيًا، فلما جاء رواية بالألسن وقع فيه هذا الاختلاف. ونجد العلماء يغلط بعض بعضًا في إعراب ألفاظ الشعر، تتغير معانيه بقراءتها بأوجه متعددة من الأعراب، كما غلط بعضهم بعضًا وهاجم بعضهم بعضًا هجومًا عنيفًا خرج على حدود الأدب والياقة بسبب الإعجام، كما في "تعتر" و"تعنز" في بيت الحارث بن الحلِّزة:

عنتا باطلا وظلمًا كما تعـ

ـتر عن حجرة الربيض الظباء١

ونجد علماء الشعر والأدب يروون شعر شاعر بصور متباينة في كتبهم، فتجد الجاحظ مثلا، يروي أبيات شعر لشاعر، ثم يرويها بشكل يختلف عما ذكره لذلك الشاعر في موضع آخر من كتابه وذلك إما سهوًا، وإما باختلاف رواية، وإما من وقوع الزلل في اللسان. وتجد وقوع مثل ذلك في كتب اللغة، فقد ذكر ابن منظور بيتًا للأعشى هو:

فأصبح لم يمنعه كيد وحيلة ... بساباط حتى مات وهو محرزق

ثم ذكره بعد سطرين إلى هذه الصورة:

هنالك ما أغنته عزة ملكه ... بساباط، حتى مات وهو محرزق٢.

وقد يقع ذلك عن تعمد، بسبب الاستشهاد في تأييد مسألة نحوية أو لغوية، فقد روي أن سائلا سأل أبا عمرو بن العلاء عن جمع يد من الإنسان، فقال: أيد، وأنكر أن تكون الأيادي إلا في النعم، وقال الأخفش: "أما إنها في علمه، غير أنها لم تحضره، ثم أنشد بيت عدي بن زيد العبادي:

أنكرت ما تبينت في أياديـ ... نا واشناقها إلى الأعناق

بينما يروي:

ساءها ما بنا تبين في الأيدي ... واشناقها إلى الأعناق٣


١ مجالس العلماء "١٨"
٢ اللسان "٧/ ٣١١"، "سبط".
٣ مجالس العلماء، للزجاجي "١٦٢".

<<  <  ج: ص:  >  >>