للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اسمه زبّان بن العلاء بن عمار المازني١. وكان عالما بكلام العرب ولغاتها وغريبها، وكان مشهورًا في علم القراءة والحديث واللغة والعربية٢. وقد أخذ الشعر عن أعراب أدركوا الجاهلية، وأثنى عليه الجاحظ، وأطرى على علمه، فقال: "كان أعلم الناس بأمور العرب، مع صحة سماع وصدق لسان حدثني الأصمعي، قال: جلست إلى أبي عمرو عشر حِجَج ما سمعته يحتج ببيت إسلامي. قال: وقال مرة: لقد كثر هذا المحدث وحسن حتى لقد هممت أن آمر فتياننا بروايته. يعني شعر جرير والفرزدق وأشباههما. وحدثني أبو عبيدة قال: كان أبو عمرو أعلم الناس بالغريب والعربية، وبالقرآن والشعر، وبأيام العرب وأيام الناس"، "وكانت كتبه التي كتب عن العرب الفصحاء، قد ملأت بيتًا له إلى قريب من السقف، ثم إنه تقرأ٣ فأحرقها كلها، فلما رجع بعد إلى علمه الأول لم يكن عنده إلا ما حفظه بقلبه. وكانت عامة أخباره عن أعراب قد أدركوا الجاهلية"٤.

وقد فسر بعض المستشرقين إحراق أبي عمرو بن العلاء لكتبه، على أنه كانت تحت تأثير أزمة دينية تدل "على أوساط التدين في العراق لا تنظر بعين الارتياح إلى التنقيب عن بقايا الوثنية"٥. وأشار بعض منهم إلى أن الحرق تناول ما جمعه من الشعر الجاهلي، وأنه كان في أزمة زهدية لينصرف إلى دراسة القرآن٦. وهو تفسير غريب، استنتجوه من لفظة "تقرأ"، أي "تنسك" على ما يظهر، وليس بهذه اللفظة صلة بالوثنية وبالشعر الجاهلي، ولو كان الشعر الجاهلي ممقوتا، وجمعه وحفظه مذمومين، لما حفظه الصحابة وترنموا واستشهدوا به، ثم إن غيرهم من الزهاد مثل أبي الأسود الدؤلي، كان يحفظ هذا الشعر ويستشهد به، وقد رأينا أن الرسول، كن يسمعه ويستشهد به، ثم إن خبر


١ الْمُزْهِرُ "٢/ ٣٠٤"، البَيَانُ والتَّبْيينُ "١/ ٣٢١"، الفِهْرِسْت "٤٨"، بروكلمن، تأريخ الأدب العربي "١/ ٢٧٠".
٢ نزهة الألباء "٢٤"،المقتبس، للمرزباني "٢٥ وما بعدها"، ابن خِلِّكَان "١/ ٣٨٦ وما بعدها"، الذهبي، العبر "١/ ٢٢٣".
٣ تقرأ: تنسك.
٤ البَيَانُ والتَّبْيينُ "١/ ٣٢٠ وما بعدها"، ابن خِلِّكَان "١/ ٣٧٦".
٥ ريجيس بلاشير، تأريخ الأدب العربي "١١٠".
٦ المصدر نفسه "الحاشية رقم٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>