للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد حكك ونقح علماء الشعر ورواته، ما سمعوه وأخذوه من شعر، لأنهم وجدوا أنه في حاجة إلى تحكيك، أو أنهم رأوا أن فيه خللا، وأن عليهم واجب إصلاحه وتقويمه. أجروا مثل هذا التنقيح حتى في شعر الشعراء الإسلاميين، روي عن الأصمعي قوله: "قرأت على خلف شعر جرير، فلما بلغت قوله:

فيا لك يومًا خيره قبل شره ... تغيب واشيه وأقصي عاذله

فقال: ويله! وما ينفعه خير يؤول إلى شر؟ قلت له: هكذا قرأته على أبي عمرو. فقال لي: صدقت وكذا قاله جرير، وكان قليل التنقيح، مشرد الألفاظ، وما كان أبو عمرو ليقرئك إلا كما سمع. فقلت: فكيف كان يجب أن يقول؟ قال: الأجود له لو قال: فيا لك يومًا خيره دون شرِّه.

فاروه هكذا فقد كانت الرواة قديمًا تصلح من أشعار القدماء، فقلت: لا أرويه بعد هذا إلا هكذا"١.

وقد اضطر علماء الشعر إلى تنقيح ألفاظ في الشعر بسبب تصحيف أو تحريف وقع عليها بفعل النساخ، ومثل هذا التنقيح مستساغ الطبع، بل واجب لأنه فيه أعادة الشعر إلى الصواب، على أن ينص على الأصل الذي كان مكتوبًا به، والتصحيح الذي أدخل عليه، وعلى السبب الذي حمل العالم على إجرائه عليه.


١ ديوان جرير "٤٨٠"، المرزباني، الموشح "١٢٥"، بروكلمن "١/ ٦٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>