للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اهتمام علماء الشعر آنذاك بموضوع الشعر ترتيبًا زمنيًّا، ولعدم اهتمامهم بذكر أسباب نظم كل بيت أو قطعة أو شعر، أو قصيدة، مع بيان الزمن الذي نظم الشاعر فيه شعره.

وقد ظهر قوم دونوا الشعر في الصحف، وقرءوه منها، ونظرًا لمكانة الحفظ عند العلماء، ولقياسهم علم الإنسان بمقدار حفظه، لا بما كان يشرحه أو يفسره من الصحف والكتب، لذلك لم ينظر إلى مدوني الصحف نظرة تجلة وتقدير، لأنهم في نظرهم قراء صحف لا غير. قال ابن قتيبة: "يرويه المصحفون والآخذون عن الدفاتر"١، ذكر ذلك في معرض الاستخفاف بعلمهم، لكونهم لا يميزون بين الشعر الصحيح من الفاسد، والرديء من الجيد، لأنهم يقرءون عن صحف، وينطقون بحروف وكلم مكتوبة، لا عن فهم ودراية مثل رواة الشعر، الذين خزنوا علمهم في أدمغتهم، فإذا سئلوا عن شيء أجابوا عن روية وفكر، لا عن صحيفة مكتوبة.

وقد ساعدت الكتب المؤلفة في أخبار القبائل مساعدة كبيرة في جمع الشعر الجاهلي، ونجد في كتاب "الفهرست" لابن النديم أسماء مؤلفات كثيرة، في القبائل، وفي أمور أخرى لها صلة بالشعر، ذكرها أثناء تحدثه عن الأشخاص الذين ذكرهم في كتابه. وقد هلكت أكثر المؤلفات المذكورة، ولكننا نجد نقولًا منها في بعض الكتب التي كتب لها البقاء والتي قدر لها أن تطبع.

ولا أجد في نفسي حاجة إلى ذكر الموارد الأخرى التي أفادتنا كثيرًا في جمع الشعر الجاهلي وفي الوقوف عليه، لأن لقارئ هذا الكتاب إلمامًا بها، قد يزيد على إلمامي بها. وعلى رأس هذه الموارد كتب الأدب، مثل مؤلفات الجاحظ، وكتاب الأغاني للأصبهاني، وكتب الأمالي والمجالس وغيرها، ففي هذه الموارد مادة قد لا نجدها في كتب الشعر، وقد ذكرت أسماء مصادر قديمة نقلت منها لا نعرف اليوم من أمرها شيئًا.

ولا بد من الإشارة أيضًا إلى كتب النحو والشواهد، فقد جاءت بأشعار جاهلية استشهد بها على إثبات قاعدة نحوية، أو شاهد رأي جاء به عالم لإثبات


١ الشِّعْرُ والشُّعَرَاءُ "١/ ٢٨".

<<  <  ج: ص:  >  >>