للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لم يبعدوا عن الصواب إذا فرضنا أنهم إنما أرادوا بذلك ما وصل إلينا من الأشعار القديمة"١، بمعنى أن أقدم ما وصل إلى علمنا من ذلك الشعر بصورة لا يرتاب بصحتها، لا يمكن أن يرتقي عهده أكثر من قرن أو قرن ونصف عن الهجرة على أكثر تقدير، وأن أقدم اسم شاعر جاهلي وصل إلى سمعنا لا يرتقي عهده عن هذا التقدير. أما إذا كان قصدهم أن نظم القصيد كان قد بدأ في هذا الوقت، وأن الشعر بالمعنى الاصطلاحي المفهوم منه لم يظهر عند العرب، إلا قبل قرن أو قرنين عن الإسلام، فذلك خطل في الرأي، وفساد في الحكم. فالشعر أقدم من هذا العهد بكثير، وقد أشار المؤرخ "سوزيموس" "ZOSIMUS" إلى وجود الشعر عند العرب، وهو من رجال القرن الخامس للميلاد، وإلى تغني العرب بأشعارهم، وترنيمهم في غزواتهم بها٢، وفي إشارته إلى الشعر عند العرب دلالة على قدم وجوده عندهم، واشتهاره شهرة بلغت مسامع الأعاجم، فذكره في تأريخه. وفي سيرة القديس "نيلوس" "nilus" المتوفى حوالي السنة "٤٣٠" بعد الميلاد، أن أعراب طور سيناء كانوا يغنون أغاني وهم يستقون من البئر. "حينئذ ترنم إسرائيلي بهذا النشيد: اصعدي أيتها البئر أجيبوا لها، بئر حفرها رؤساء، حفرها شرفاء الشعب بصولجان بعصيهم"٣، والأشعار المروية في كتب التواريخ والأدب عن حفر آبار مكة وغيرها من هذا القبيل، فقد روي أن "عبد المطلب" لما حفر بئر "زمزم"، قالت "خالدة بنت هاشم":

نحن وهبنا لعدي سجله ... في تربة ذات عذاة سهله

تروي الحجيج زعلة فزعله

وأن "عبد شمس" قال:

حفرت خما وحفرت رما ... حتى أرى المجد لنا قد تما


١ كارلو نالينو، تأريخ الآداب العربية "ص٦٨ وما بعدها"، "الطبعة الثانية، القاهرة ١٩٧٠م، دار المعارف بمصر".
٢ إنحليزي
٣ العدد، الإصحاح ٢١، الآية ١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>